الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فالتشريك في الأضاحي قسمان، تشريك في الأجر والثواب، وتشريك في والمُلك والشراء.
أما التشريك في الأجر والثواب، فهو واسع جدا، فيجوز للمسلم أن يشرك في أضحيته من شاء من الناس، أحيائهم وأمواتهم، أقاربه وغيره، وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ضحى قال: بسم الله، والله أكبر، اللهم إن هذا عني وعمن لم يضح من أمتي.
وهذا الشريك عام، لمن ضحَّى بكبش أو سبع بقرة، فله أن يشرك معه في الأجر من يريد.
أما التشريك في الملك والشراء، فإن هذا لا يجوز إلا فيما وردت فيه السنة، وقد وردت السنة في التشريك في البدنة والبقرة، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ.صحيح.
وقال صلى الله عليه وسلم: (الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْجَزُورُ -أي: البعير- عَنْ سَبْعَةٍ) صحيح.
أما الشاة والخروف ونحوه، فلا يجوز التشريك في شرائها، بالإجماع، فالحكم في التشريك في الشراء توقيفيٌّ، وقد ورد في البقر والإبل فقط.
ولذلك لو وجد في البيت شخصان، وليس معهما إلا ثمن خروف، فإن أحدهما يتبرع للآخر بما معه من نقد، ويشتري الآخر الخروف، ويشرِّكه في الأجر.
كما نص الفقهاء على أنه يجوز اشتراك سبعة في بقرة أو بدنة، ولو اختلفت نواياهم، كأن يكون معهم من يضحي، ومنهم من يهدي، ومن يريد اللحم فقط.
وهل يشترك معهم من يريد العقيقة؟
أجاز البعض ذلك، والأظهر عدم مشروعية ذلك، فإن العقيقة عبادة يراد بها فداء نفس واحدة بنفس، والفداء لا يتبعض، ولا يحصل هذا الفداء بسُبْع البقرة، ولا تقاس على الأضحية بالسُّبع، فهذا وردت به السُّنة، وأما العقيقة فلم يرد في السنة، فالوقوف فيها على مورد النص أولى وأحوط.
كما أنه في حال التشريك في البقرة والبدنة، على وجه الأضحية، أو الهدي للحاج، فإنه لا يجوز أن يقل نصيبُ المشارك عن السُّبْع، فلا يشترك اثنان في السُّبْع، إنما أقل الأنصبة هو السُّبْع، ولا بأس لو زاد نصيبه عن السُّبْع، كأن يشترك بسُبْعَيْن أو أكثر، أو يستقل بالبقرة كلها.
** واعلم أن الأضحية عبادة مستقلة، كما هو قول جماهير أهل العلم، فلا ينبغي التشريك بينها وبين عبادة أخرى مقصودة للشارع، كما لو جمع بين الأضحية والعقيقة، أو الأضحية ونذر ذبح، ونحوه، فالأضحية مقصودة يحصل بها فداء نفس الذابح، والعقيقة كذلك مسنونة مؤكدة، يحصل بها فداء نفس المولود، والنذر واجب، أوجبه العبد على نفسه، فالجمع بين تلك العبادات في عبادة واحدة لا يصح على الأرجح.
وهو من جنس الجمع بين النفقة الواجبة على العبد لابنه مثلا، وبين إعطائه من الزكاة، فلا يصح هذا؛ لكون الزكاة واجبة للفقراء، والنفقة واجبة للابن، فهما حقان واجبان في المال، لا يجوز اختزالهما في واحد!!
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في الأول من ذي الحجة، لعام ثلاث وأربعين وأربعمائة وألف، من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم