الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإن وصف الله تعالى بالكرم والجود، هو منصوص القرآن، وكذلك وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالكرم، فقد كان سخيا كريما أجود بالخير من الريح المرسلة، وكما جاء أنه صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان،
فهذا مُسلَّم لا شيء فيه، ولا ينكره أو يبغضه أحد.
لكن السؤال: ما المراد من هذه الكلمة، سيما وقد أضيف إليها: "فهل فقير بين كريمين يحرم؟!"
فإن قصد المتكلم طلب شيء من أمر الدنيا أو الآخرة، فإنما يَطلبُ من الله تعالى وحده لا شريك له، وليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ اتصالٍ بعطاء العبدِ أو منعه، سواء في أمر الدنيا أم أمر الآخرة، فيكون إقحام اسم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا السياق، من الباطل؛ لأنه يطلب منه صلى الله عليه وسلم، ما لا يقدر عليه، عليه الصلاة والسلام، وكون النبي صلى الله عليه وسلم كان كريما في حياته، فإن هذا لا يعود على أحد بشيء بعد مماته، صلى الله عليه وسلم، وسواء في ذلك طلب الحج أو العمرة، أم غيره من خيري الدنيا والآخرة، فليس النبي صلى الله عليه وسلم مالكا لشيء من هذا كله، وغاية ما يفعله العبد أن يلتزم بهديه صلى الله عليه وسلم، ويجعل متابعته له من جملة العمل الصالح الذي يتوسل به إلى الله تعالى، وليس لأن النبي صلى الله عليه وسلم يملك عطاء أو لا، وبناء عليه، فلا وجه لذكر كرم النبي صلى الله عليه وسلم، في هذا السياق.
وإن أراد بقوله لهذه العبارة التوسلَ إلى الله تعالى بهذه الصفة -صفة الكرم-، وباتصاف النبي صلى الله عليه وسلم بها، فإن هذا التوسل ليس له أصل في الشرع، فالتوسل إنما يكون باسم من أسماء الله تعالى، أو صفة من صفاته، أو بعمل صالح يعمله العبد، كما في حديث الثلاثة الذين انغلق عليهم الغار.
أما التوسل بصفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعله في معادلة بكرم الله تعالى، والعبد بين هاتين الصفتين!!! ثم يطلب مطلوبه! فهذا من عداد التوسل المحرم.
فكما لا يشرع أن يقال: أتوسل إليك بصدق النبي صلى الله عليه وسلم، أو ديانته وورعه، أو شجاعته، أو مروءته وحسن خلقه صلى الله عليه وسلم، فكذلك الكرم، فهو من جنس هذا كله، فليس من المشروع التوسل إلى الله تعالى به.
فالذي يظهر لي، والله تعالى أعلم، عدم مشروعية هذا التعبير، وأن الأولى أن يسلك العبد في الدعاء ما هو معلوم من الكتاب والسنة، وما جرى عليه عمل السلف الصالح، وأن يترك ما هو موجب للشبهة والريبة.
والله المستعان
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 10/8/1444هـ