المواد / فتاوى منوعة / الحلف بغير الله تعالى

الحلف بغير الله تعالى

تاريخ النشر : 25 جمادى أول 1446 هـ - الموافق م | المشاهدات : 1131
مشاركة هذه المادة ×
"الحلف بغير الله تعالى"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط



كما تعلم أن كثيرا من الناس يحلفون بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وهم يفعلون هذا من باب تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وحبه، فهل هذا مشروع؟

الحمد لله رب العالمين

الحلف من أبواب الالتزامات التي أبى الله تعالى أن تكون لغيره سبحانه، فلا يُعظَّم في هذا المقام غير الله تعالى، فلا يحلف لا بنبي ولا ولي ولا ملك ولا غيره، فالحلف من مقامات التعظيم الخاصة بالله تعالى.

وقد قام على تحريم الحلف بغير الله نصوص عدة، منها: ما في الصحيحين من حديث ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ )، وأيضا في الصحيحين عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي رَكْبٍ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ وَإِلَّا فَلْيَصْمُتْ ) وعند أبي داود عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ رَجُلًا يَحْلِفُ: لَا وَالْكَعْبَةِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَقُولُ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ ).

وعند أحمد عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: جَلَسْتُ أَنَا وَمُحَمَّدٌ الْكِنْدِيُّ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ثُمَّ قُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَجَلَسْتُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: فَجَاءَ صَاحِبِي وَقَدْ اصْفَرَّ وَجْهُهُ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ فَقَالَ قُمْ إِلَيَّ قُلْتُ أَلَمْ أَكُنْ جَالِسًا مَعَكَ السَّاعَةَ فَقَالَ سَعِيدٌ قُمْ إِلَى صَاحِبِكَ قَالَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ؟ قُلْتُ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَعَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ أَحْلِفَ بِالْكَعْبَةِ قَالَ وَلِمَ تَحْلِفُ بِالْكَعْبَةِ إِذَا حَلَفْتَ بِالْكَعْبَةِ فَاحْلِفْ بِرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَإِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ إِذَا حَلَفَ قَالَ كَلَّا وَأَبِي، فَحَلَفَ بِهَا يَوْمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تَحْلِفْ بِأَبِيكَ وَلَا بِغَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ ).

فهذه النصوص تبين خطر الحلف بغير الله تعالى، وأنه من الكفر، ودرجة الكفر فيه تكون بحسب ما قام في قلب الحالف، فإن حلف بغير الله تعظيما للمحلوف به، فهذا كفر أكبر مخرج من الملة، حسب ما قرره أهل العلم، وإن كان مجرد كلمة تجري على اللسان، كما هو عادة كثير من الناس، فهو كفر أصغر، فهو بكل حال يدور بين هذين الصنفين من الكفر،: إما الأكبر، وإما الأصغر.

لذا كان من فقه ابن مسعود رضي الله عنه أن قال: ( لأن أحلف بالله كذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صدقا ) وهذا من فقهه رضي الله عنه، لأن الحلف بالله -مع الكذب- كبيرة من الكبائر، بخلاف الحلف بغير الله تعالى -ولو صدقا- فإنه يدور بين كفرين: أكبر أو أصغر، ومعلوم أن الكبيرة أهون من الكفر ولا شك، وحاشاه رضي الله عنه أن يحلف بالله كذبا، إنما يريد أن يلقن الأمة درسا في تعظيم الحلف بغير الله، ويبين قبحه.

فالواجب على المسلم أن يُطهِّر لسانه من هذا النوع من الشرك، سواء كان أكبر أم أصغر، وأن يلتزم الشرع في هذا الباب، سيما وهو باب متعلق بالتوحيد ونواقضه.

فلا يجوز الحلف بالنبي، ولا أبيه ولا أمه، ولا العِشْرة ، ولا العيش والملح ، ولا النعمة، ولا رحمة فلان، أو علان، ولا حياتي، أو حياة فلان، وحق جاه النبي ونحوه.

ويزداد التحريم عند الحلف بالأولياء، أو من يعتقد ولايتهم، كالسيد البدوي، أو عبد القادر أو المرسي أبو العباس أو غيرهم، فهذا أخطر من الأول، لأنه إن كان لا يجوز الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلأن لا يجوز بغيره من باب أولى.

لذا جاء في الحديث في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ ) فانظر كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم عالج الشئ بضدِّه، فعالج الكفر ?وهو الحلف بغير الله- بالتوحيد، وعالج القمار بالصدقة؛ لأن القمار أكل المال بالباطل، فعالجه بالصدقة التي هي إنفاق المال بغير عوض؛ طلبا للأجر، وقدم الحلف بغير الله في الحديث لعظم منزلته، وخطر أمره.

ومن كان محبًّا حقًّا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فليتزم هذا النهي الشديد منه صلى الله عليه وسلم، وفي هذا المقام الخطر، وهو مقام التوحيد، فلينزجر عن الحلف بغير الله، وليعوِّد لسانه الحلف بالله، فإن حلف بغير الله فليقل: لا إله إلا الله، فهذا هو عين تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، والله الموفق.

كتبه: د.محمد بن موسى الدالي

في 7/3/ 1433هـ

 

 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف