قضاءُ راتبةِ الفَجْرِ
من لم يصلِّ سنة الفجر قبله ، هل يجوز أن يصليها
بعده مباشرة ؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
راتبة الفجر من أهم الرواتب التي ندب النبي صلى
الله عليه وسلم إليها، لذا جاء في الحديث عند مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي
صلى الله عليه و سلم قال : ( ركعتا الفجرِ خيرٌ من الدنيا وما فيها )، وقالت عائشة
رضي الله عنها: ( لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم على شيء من النوافل أشد منه تعاهدا
على ركعتي الفجر ). أخرجه البخاري؛ لذا حافظ عليهما النبي صلى الله عليه وسلم سفرا
وحضرا.
وقد اختلف أهل العلم في قضاء الرواتب الفائتة
اختلافا كبيرا، غير أن أكثر الفقهاء على مشروعية قضاء ركعتي الفجر على وجه الخصوص.
وقضاء راتبة الفجر له حالتان:
الأولى: ألا يصلي الفجر وراتبته، حتى تطلع
الشمس.
الثانية: أن يتأخر فلا يدرك راتبة الفجر قبله.
أما الحال الأولى، فمن ترك الفجر لعذر، حتى طلعت
الشمس، فإن السُّنة له أن يصلي راتبة الفجر أولا، ثم يصلي الفجر، ويسن أن يجهر فيه
بالقراءة، ودليل ذلك : حديث أبي قتادة رضي
الله عنه وفيه: "أنَّ رسول الله صلَّى
الله عليه وسلَّم نام عن صلاة الصبح، فلم يستيقظ
وإلاَّ والشَّمس في ظهره، فأذَّن بلال بالصلاة، فصلَّى ركعتين، ثمَّ صلَّى الغداة ،
فصنع كما كان يصنع كلَّ يوم".أخرجه مسلم.
وعند أبي داود من حديث عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه قال : ( كنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، فنام عن الصبح حتى طلعت الشمس ، فاستيقظ
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : تنحوا عن هذا المكان ، قال : ثم أمر بلالا فأذَّن
، ثم توضؤوا وصلوا ركعتي الفجر ، ثم أمر بلالا فأقام الصلاة فصلى بهم صلاة الصبح )
والحديث صححه الألباني.
وأما الحال الثانية، وهي ما إذا لم يتمكن من
صلاة راتبة الفجر قبله، فإن العبد يخير في قضائها، إما بعد الفجر مباشرة، أو بعد
طلوع الشمس وارتفاعها، وهو أولى.
ودليل هذا التخيير ما رواه أحمد وابن ماجه،
وصححه الألباني عن مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ جَدِّهِ قيس قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ ، فَصَلَّيْتُ
مَعَهُ الصُّبْحَ، ثُمَّ انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَنِي
أُصَلِّي، فَقَالَ: مَهْلًا يَا قَيْسُ، أَصَلَاتَانِ مَعًا؟! قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَمْ أَكُنْ رَكَعْتُ
رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. قَالَ : فَلَا إِذَنْ.
فأقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم على قضاء
راتبة الفجر بعد الصلاة.
ولا يَضرُّ أن تكون الركعتان في وقت النهي؛
لكونهما من ذوات الأسباب حينئذ، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى
راتبة الظهر البعدية ، بعد صلاة العصر، وهو وقت نهي، ولم ينتظر حتى تغرب الشمس.
قال ابن قدامة: "فأما قضاء سنة الفجر بعدها
فجائز، إلا أن أحمد اختار أن يقضيهما من الضحى، وقال: إن صلاهما بعد الفجر أجزأ، وأما
أنا فأختار ذلك".
وجاء في الاختيارات ما نصه: "ويقضي السُّنَن
الرَّاتبة، ويفعل ما له سبب في أوقات النهي...". اهـ.
وأما كونه يصليهما بعد طلوع الشمس وارتفاعها -
وهو الأفضل-، فلما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم نام عن ركعتي الفجر فقضاهما بعد ما طلعت الشمس. وصححه
الألباني.
وأخرج الترمذي عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله
عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ لَمْ
يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيُصَلِّهِمَا بَعْدَ مَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ ).
والحديث صححه الألباني.
والثاني هو الأفضل؛ لأنه فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمرُه.
والله الموفق
كتبه:
د.محمد بن موسى الدالي
في
23/4/1432هـ