مضاعفةُ إثمِ المعاصي في الأشهرِ الحُرُم
هل المعصية في الأشهر الحرم أشد من المعصية في
الشهور الأخرى ؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإن الله تعالى يعظِّم من أمره وخلقه ما يشاء؛
لذا فقد رتب الثواب والعقاب على الأعمال، وضاعف بينها زمانا، ومكانا، وشخصا، فما
كان مشرَّفا كان الذنب فيه أعظم، والعقاب
عليه أشد وأكبر، فقال في الزمان: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا
عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا
أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}
[التوبة:36] ، فقوله تعالى: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} أي: في هذه
الأشهر الحرم، وهي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب؛ كما في الحديث : ( السنة اثنا
عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب، شهر
مُضر، الذي بين جمادى وشعبان )متفق عليه.
فلا ينبغي أن يفعل العبد فيهن الذنب؛ لأنهن آكدُ
وأبلغُ في الإثم من غيرهن، قال قتادة: "إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً
من الظلم في سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً، ولكن الله يعظِّم في أمره ما
يشاء".
وكذلك تضاعف عقوبةُ الذنب في المكان، قال تعالى:
{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25]،
فمجرَّدُ الهَمِّ بالذنب في البلد الحرام
يستلزم العذاب الأليم، فكيف بمن فعله وأوقعه فيه؟! وكيف لو كان داخل الحرم؟!
وهذه المضاعفة في العقوبة إنما تكون بالكيْفِ لا
بالكمِّ، لعموم قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:
40].
وكذا تضاعف العقوبة شخصا، قال تعالى: { يَا نِسَاءَ
النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ
ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً } [الأحزاب:30] ، وهذه المضاعفة
لمنزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت العقوبة على قدر عظم الجريمة في إيذاء
رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال القرطبي: "وكذلك بينت الشريعة في غير ما موضع
حسبما تقدم بيانه غير مرة أنه كلما تضاعفت
الحرمات فهتكت ، تضاعفت العقوبات ؛ ولذلك ضوعف حدُّ الحرِّ على العبد، والثيب على البكر
"اهـ ، ولم يرد هذا النوع في الشرع إلا في
شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 9/2/1431هـ