الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن من التعدي المنتشر في صف الصلاة في مساجد المسلمين، أن يقف الصبي في الأول، بل ربما بادر إلى المسجد قبل الناس جميعا، ثم يأتي رجل متأخر، أو إمام لا يفقه كثيرا من أحكام الصلاة، ليَرُدَّ هذا الصبيَّ إلى الصف المؤخر، أو الصفوف المتأخرة، دون أدنى دليل، لمجرد أنه صبي، ولو مميزًا، أو لأنه صبي غير مميز، وعلته: يقطع الصف!!!
وهذا العمل باطل، وهو تعدٍّ صريح على هذا الصبي، وظلم له، فإن السنة الغرَّاء جاءت بجواز أن يكون الصبي، إماما للرجال، ومن ذلك الآتي: ص
لى عمرو بن سلمة الجرمي رضي الله عنه بقومه، وكان ابن سبع سنوات، حتى كانت سوأته تنكشف في الصلاة، مما يدل على شدة صغره، وعدم تحرِّيه حتى لستر العورة على الوجه الأكمل! فإن صح للصبي أن يكون إماما للرجال، وفي زمن التشريع، أفلا يصح أن يكون مأموما في صفِّهم؟!
وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو صبي، أن جاء إلى يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في صلاة الليل، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم من رأسه، وحوَّله إلى يمينه، فصار صفًّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا صريح في الدلالة، كالذي قبله.
وصحَّ عن أنس رضي الله عنه أنه صفَّ واليتيم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعجوز خلفهم، واليتيم صغير، سواء كان مميزا أو غير مميز، وأقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
وصحَّ أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء حاملا الحسن أو الحسين، في إحدي صلاتي العشي: الظهر أو العصر، فلما سجد امتطاه، حتى قال: "ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته" وواضح أن الواحد منهما كان صغيرا جدا، لدرجة أنه أتى به يحمله، ومثل هذا قطعًا، لا يتوضأ، ولو توضأ، فلا يُؤمن منه الحَدَث، ومع ذلك لم يَعُدْ على صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالبطلان!
فتلك الأدلة واضحة على صحة اصطفاف الصبي في الصلاة بين الرجال، بلا نكير، ولا تفصيل: "مميزا أو غير مميز"، فلو كان التمييز شرطًا لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم في شيء مما سبق.
بل ولا يقف الأمر عند الذَّكَر، بل حتى الأنثى، لا يظهر بأس في كونها في صفِّ الرجال، لو كانت صغيرة جدا، فقد صلى الله عليه وسلم وهو حامل لأمامة بنت زينب رضي الله عنها على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود أعادها، فهذه طفلة صغيرة، لا يؤمن منها الحَدَث، ولم ينبِّه صلى الله عليه وسلم على شيء في ذلك.
لكن من أهل العلم من قال: يقف بها أبوها ونحوه في طرف الصف، ولا يظهر اشتراط ذلك.
لكن لو كانت تجاوزت السبع أو الثمان، فلا شك أن وقوفها خلف الرجال أفضل لها، وتعويدٌ لها على البُعْد عن الاختلاط بالرجال.
وقد ذكر شيخ الإسلام: أن الأوْلى تفريق الصبيان في صف الرجال، لفوائد ثلاثة:
- تخفيف لَعِبِهم، بخلاف ما لو كانوا جميعا خلف الصف، فهذا أدعى لكثرة اللعب والحركة.
- تعلُّمُهُم أحكامَ الصلاة من الرجال الذين هم بينهم.
- تعلق قلوبهم بالمساجد، حيث لا يرى الصبيُّ نفسَه رجلا بين الرجال، إلا في المسجد! فتأملْ.
بقي أن يقال: إن المكان الذي لا ينبغي وقوف الصغار فيه في الصف الأول، هو خلف الإمام مباشرة، فهذا خاصٌّ بالكبار، من أهل القرآن والفقه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى).
للتنبيه: حجة من منع الصبي غير المميز من الوقوف في الصف، إما التعليل بأنه يقطع الصلاة، وقد تقدم ما يدل على بطلان هذا التعليل.
أو استلالا بحديث: "جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ" وهو ضعيف جدا، حتى قال البزار: لا أصل له.
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 12/4/1447هـ