المواد / المقالات / وقت صلاة العشاء يخرج بانتصاف الليل

وقت صلاة العشاء يخرج بانتصاف الليل

تاريخ النشر : 21 شوال 1446 هـ - الموافق م | المشاهدات : 3136
مشاركة هذه المادة ×
"وقت صلاة العشاء يخرج بانتصاف الليل "

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط

 

وقت صلاة العشاء يخرج بانتصاف الليل

الحمد لله رب العالمينفإن الله تعالى جعل الصلاة على المؤمنين كتابا مؤقتا، فقال تعالى: { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً }النساء-103.

وقال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }الإسراء-78.

وقال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ }هود-114.

كما وقَّت النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على وجه التفصيل، في غير موضع من سنته الكريمة.

فعنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَمْرِوٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ نَبِيَّ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وَقْتُ اَلظُّهْرِ إِذَا زَالَتْ اَلشَّمْسُ, وَكَانَ ظِلُّ اَلرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ اَلْعَصْرُ, وَوَقْتُ اَلْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ اَلشَّمْسُ, وَوَقْتُ صَلَاةِ اَلْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ اَلشَّفَقُ, وَوَقْتُ صَلَاةِ اَلْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اَللَّيْلِ اَلْأَوْسَطِ, وَوَقْتُ صَلَاةِ اَلصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ اَلْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ اَلشَّمْسُ" .أخرجه مسلم.

ونصوص السنة في ذلك كثيرة جدا، بما لا يتسع المقام لذكره.

فالشريعة الإسلامية أعطت وقت الصلاة أهمية عظيمة، حتى أصبح الوقت آكد شروط الصلاة، وجعل الشرع قبول الصلاة منوطا بالمحافظة على وقتها، كما جعل أحب العمل إلى الله الصلاة على وقتها، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي؟ قال : بر الوالدين. قلت: ثم أي قال: الجهاد في سبيل الله. قال: حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني. أخرجه البخاري ومسلم.

ولما كان أمر الوقت بهذه المثابة من الأهمية وجدت من المناسب التنبيه على أمر خطير يقع فيه كثير من الناس، ألا وهو تأخير صلاة العشاء إلى ما بعد منتصف الليل، فقد انتشر بين كثير من الناس أن وقت العشاء ممتد إلى طلوع الفجر، حتى جاء في عبارة كثير من الناس : "أن الليل كله عشاء"، وهذا - وإن كان قولا معتمدا لجمع من أهل العلم - إلا أن النظر في أدلة الكتاب والسنة يؤكد على أن هذا القول بحاجة إلى إعادة نظر، وأن الأقرب إلى الصواب أن وقت العشاء ينتهي بانتصاف الليل، يدل لذلك ما يأتي:

أولا: قوله تعالى: { أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }الإسراء-78.

وقد فسر غسق الليل بظلامه، وأشد ما يكون إذا انتصف الليل.

ثانيا: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما المتقدم، وفيه: "وَوَقْتُ صَلَاةِ اَلْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اَللَّيْلِ اَلْأَوْسَطِ". أخرجه مسلم.

وهذا الحديث نصٌّ في المسألة، فهو صريح في أن العشاء ينتهي وقتها بانتصاف الليل.

ثالثا: حديث جبريل السابق في إمامته برسول الله صلى الله عليه وسلم: وفيه أنه صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم التالي العشاء حين ذهب ثلث الليل أو نصفه، وقال: "له ما بين هذين وقت". رواه احمد والنسائي والترمذي بنحوه، وصححه الألباني.

وقد وقع نظيره من كلام النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وهذا يعني أن أداء العشاء في غير الوقت المحدد في الحديث ليس في وقتها.

الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه).أخرجه أحمد والترمذي بسند صحيح.

الخامس: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العتمة فلم يخرج حتى مضى نحو من شطر الليل فقال: ( خذوا مقاعدكم ) فأخذنا مقاعدنا فقال: ( إن الناس قد صلوا وأخذوا مضاجعهم وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل ).أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي بسند صحيح.

السادس: أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم المتواتر عنه أنه إما أن يصلي العشاء في أول وقتها أو في ثلث الليل أو نصفه، ولم يحفظ عنه أنه كان يؤخر العشاء إلى ما بعد نصف الليل.

فهذه النصوص وغيرها كثير جدا تدل بالقول الصريح أو بالفعل على أن وقت العشاء ينتهي بانتصاف الليل، وليس بطلوع الفجر.

أما دليل من قال بأن صلاة العشاء ينتهي وقتها بطلوع الفجر، فليس لهم إلا ما يأتي:

الأول: حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى).أخرجه مسلم.

وفي هذا دليل على أن أوقات الصلوات يتبع بعضها بعضا، فإذا خرج وقت صلاة دخل وقت الأخرى، فإذا خرج وقت العشاء دخل وقت الفجر، مما يدل على أنه متصل به.

الثاني: فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَعْتَمَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ بِالْعَشَاءِ, حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اَللَّيْلِ, ثُمَّ خَرَجَ, فَصَلَّى, وَقَالَ: "إِنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي" أخرجه مُسْلِمٌ.

وهذا يدل على أنه صلى بعد ما ذهب عامة الليل، أي: بعد منتصف الليل.

المناقشة:

أما الحديث الأول فإنه يناقش بالآتي:

أولا: أن الحديث ليس فيه النص على أن وقت العشاء يمتد إلى الفجر، وغاية ما دل عليه أن الصلوات يتصل وقتها ببعض، فالحديث أفاد ما ذهبوا إليه بالظن، وإن كان الحديث أصلا في التحذير من تأخير الصلاة عن وقتها.

ثانيا: أن الفجر لا يتصل بما بعده -وهو الظهر- بالإجماع، مع أن الحديث يجب أن يدل على أن الفجر يتصل بالظهر، فإن خرج الفجر بالإجماع، فجائز أن يخرج وقت العشاء بالنصوص المتقدمة.

ثالثا: أن هذا الحديث ظني الدلالة، وهو مقابل بظن أقوى منه أو مماثل له، وهو قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }الإسراء78. فإن الآية ظنية الدلالة في أن العشاء يخرج وقتها بانتصاف الليل؛ لأن الله تعالى ذكر الصلوات الأربعة متصلة، ثم فصل وقال: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} مما يدل على أن الفجر لا يتصل بما قبله، ولا ما بعده.

فغاية ما استدلوا به هو هذا الحديث، وهو مع كونه ظنيا إلا أنه قوبل بظنٍ أقوى منه أو مماثلٍ له، وسلمت الأحاديث الصريحة الأخرى من المعارض.

أما مناقشة الحديث الثاني: فإنه ليس فيه إلا قول عائشة رضي الله عنها: "حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اَللَّيْلِ" والصحيح أن المراد بعامة الليل كثير منه، وليس أكثره.

قال النووي : ( والمراد بعامة الليل كثير منه وليس المراد أكثره، ولا بد من هذا التأويل لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنه لوقتها ) ولا يجوز أن المراد بهذا القول ما بعد نصف الليل؛ لأنه لم يقل أحد من العلماء إن تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل أفضل ).

وعليه فلابد من حمل الحديث على هذا المعنى، لأن سنته الدائمة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم أنه لم يصلِّ العشاء بعد نصف الليل، ويدل على ذلك من السنة ما لا يمكن حصره في هذه الورقات اليسيرة.

والخلاصة أن أصحاب هذا القول ليس لهم إلا هذان الدليلان الظنيان، وقد أجيب عنهما بما عرفت، وسَلِمت أدلة القول بانتهاء الوقت بنصف الليل صريحةً سالمةً من المعارض.

فتبين أن الصحيح أن وقت العشاء ينتهي بانتصاف الليل، وأنه لا يجوز تأخير العشاء إلى ما بعد ذلك إلا لضرورة، أما في السعة والاختيار، فلا يجوز.

واعلم أن منتصف الليل يكون ما بين وقت غروب الشمس، ووقت طلوع الفجر، وهو يتفاوت صيفا وشتاء، وليس عند الساعة الثانية عشرة كما يظن عامة الناس.

والله الموفق

كتبه: د.محمد بن موسى الدالي

في 14/2/1432هـ

 

مواد جديدة

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف