نوازل الزكاة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق، وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد، فإن من عظيم نعمة الله على عباده أن شرع لهم الزكاة وأوجبها عليهم، وجعلها ثالث ركن من أركان الدين، وقرنها الله تعالى في كتابه بالصلاة في غير ما موضع، فقال تعالى: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ البقرة-43، وقال تعالى: فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ التوبة-11، وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ التوبة-34، ومن السنة عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ..الحديث ) أخرجه البخاري ومسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل السعاة ليقبضوا الصدقات، وأرسل معاذا رضي الله عنه إلى أهل اليمن، وقال له: ( أعلِمْهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)أخرجه البخاري ومسلم.
الحكمة من مشروعية الزكاة:
لقد اشتمل تشريع الزكاة على حِكَمٍ جليلةٍ بالغة، فإخراج الزكاة طهرةٌ لأموال المسلم، وقربةٌ إلى الله تعالى يزداد بها بركة وصلاحا، وطهرةٌ لنفسه من الطمع والحرص وعدم المبالاة بمعاناة الغير، وطهرة للمجتمع من التحاسد والتباغض، وعنصر هام لزيادة التواد والتكافل بين أفراد المجتمع، وهى كذلك طهرة لنفس الفقير من الغيرة والحسد والكراهية لأصحاب الثروات، وتؤدى الزكاة إلى زيادة تماسك المجتمع، وتكافل أفراده، والقضاء على الفقر وما يرتبط به من مشاكل اجتماعية واقتصادية وأخلاقية.
وقد جدَّ بالمسلمين نوازل كثيرة جدا في باب الزكاة، وإن كان بعضها لا يطلق عليها نازلة بالمعنى الاصطلاحي، إلا أنه عمَّ به البلاء في هذا العصر؛ لذا عزمت على تقريب أهم هذه النوازل وأشهرها، وما يكثر عنه السؤال، وجعلها في مطوية مختصرة، تسهل على طالب العلم، وعلى عامة المسلمين الاطلاع على حكم كل نازلة على حِدة، تقريبا للفقه، وتسهيلا له بين يدي الأمة.
وقد تنوعت تلك النوازل، فتارة في شروط الزكاة، كالنصاب والحول، وتارة فيما يجب إخراجه، وتارة في مصارف الزكاة، وتارة في متفرقات في الزكاة، على النحو الآتي:
الأول: نوازل شروط الزكاة:
1- النصاب:
يكثر السؤال: هل المعتبر الذهب أم الفضة في تقدير النصاب؟ وهذه المسألة من المسائل المختلف فيها، فكثير من أهل العلم يعتبر الأحظ للفقراء من أحدهما، فإن بلغ المال النصاب بحسب سعر الفضة أوَّلاً، اعتبر النصاب بالفضة، وكذا في الذهب.
وذهب جمع كبير أيضا أهل العلم إلى اعتبار الذهب مطلقا، نظراً للهبوط الكبير في سعر الفضة، مع ثبات واضح في القدرة الشرائية للذهب، ولأنه هو الأصل في التعامل، ولأن غطاء النقود هو بالذهب، ولأن المثقال كان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعند أهل مكة هو أساس العملة، ولعل الأرجح والله أعلم هو الأحظ للفقير من أحدهما؛ لأنه الأنفع له، ولأن الشريعة جاءت بإثبات نصاب الذهب، ونصاب الفضة، ولأن هذا أحوط وأبرأ للذمة، وهو ما جاء ضمنا في قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد بعمان 1407هـ رقم .
وعلى هذا فإذا أردت أن تخرج نصاب الأوراق النقدية بالريالات السعودية أو بالجنيهات المصرية أو بالجنيهات السودانية أو غير ذلك من هذه العملات، فإنك تنظر لنصاب الفضة كم يساوي اليوم وتنظر أيضاً إلى نصاب الذهب كم يساوي بالأوراق النقدية، فنصاب الفضة بالغرامات يساوي (595) جراماً من الفضة، وأما نصاب الذهب فهو يساوي (85) جراماً على الصحيح.
وهل يعتبر مصنعا أم غير مصنع؟
تحسب زكاة حلى الذهب والفضة حسب وزن الذهب والفضة الخالصين، ولا اعتبار بالقيمة، ولا زيادتها بسبب الصياغة والصناعة، ولا بقيمة الأحجار الكريمة والقطع المضافة من غير الذهب والفضة.
كما أن المقتنيات من الذهب والفضة، وإن حرمت تجب الزكاة فيها، كالذي يتخذه الرجل من الزينة المحرمة، كسوار الذهب، أو الساعة الذهبية، أو قلم ذهبى، أو خاتم ذهبي، وحلى المرأة من الذهب والفضة التى تتخذها تشبها بالرجال، وكذلك آنية الذهب والفضة ونحوها.
2-الحول: من النوازل التي يكثر السؤال عنها: زكاة الراتب الشهري للموظفين، وذلك أن الرواتب تأتي شهريا، وهي لا تخلو من حالين:
الأولى: ألا يحول على هذا الراتب حولا؛ لأنه ينفقه، ولا يبقى له ما يبلغ النصاب، فهذا لا زكاة فيه.
الثانية: أن يحول على هذا الراتب الحول، فهذا يجب أن يخرج زكاة كل مال حال عليه الحول، فإذا استلم مرتَّبًا في شهر محرم، ومرَّت سنة على هذا الراتب، فإنه يخرج زكاته في محرم، وراتب صفر يخرج زكاته في صفر بعد سنة، وهكذا، ولا شك أن في هذا مشقة عليه، ودرءًا لهذه المشقة فإنه يجعل الزكاة في شهر واحد لجميع ما في رصيده من هذه الوظيفة، كأن يكون في شهر محرم إذا نزل راتب هذا الشهر زكَّى كل ما في رصيده من هذه الوظيفة، فيكون بالنسبة لمحرم قد حال عليه الحول، وبالنسبة لما بعده زكاة معجلة، ولا بأس بتعجيل الزكاة على الصحيح.
3-استقرار الملك: جمعيات الموظفين من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم، والأكثرون على جوازها، وزكاتها كالآتي:
أولا: من استلم المال المجموع، وكان بالغا نصابا، فإما أن يضيفه إلى حول مالٍ سابق عنده، وإما أن يستقبل به حولا جديدا، ثم يزكيه في نهاية هذا الحول، هذا إذا بقي النصاب إلى نهاية الحول، أما لو أنفق مال الجمعية حتى ذهب كله أو نقص عن النصاب، فلا زكاة عليه.
مثال: من كان لديه مال بلغ نصاباً في شهر رمضان، ثم استلم مال الجمعية في شهر شوال، فإما أن يزكي الجميع في رمضان التالي، وإما أن يزكي كلَّ مالٍ في حوله، هذا في رمضان، والآخر في شوال.
ثانيا: إذ كان قسط الجمعية الشهري يبلغ نصاباً، أو كان عنده مال آخر غير مال الجمعية يكمل النصاب، ثم مضى عام هجري على البدء في الجمعية، ولنفرض أن مجموع ما دفعه مثلا (20ألفا)، ولم يستلم الجمعية بعد، فإنه يلزمه زكاة هذا المبلغ (20ألفا)؛ لأنه في حكم الدَّيْن على إخوانه المشاركين معه.
ولا زكاة فيما إذا كان القسط لا يبلغ نصاباً، وليس عنده مال آخر يكمل النصاب.
الثاني: نوازل ما يجب إخراجه:
1- زكاة الأوراق النقدية والمالية:
المتقرر عند أهل العلم في العصر الحديث أن العملات الورقية قائمة عن الذهب والفضة، وأنها تجب فيها الزكاة ببلوغها الأحظى للفقير من نصاب الذهب أو الفضة، وأنها أجناس قائمة بذاتها، كما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد بعمان 1407هـ، ونصه: أولاً: بخصوص أحكام العملات الورقية: أنها نقود اعتيادية فيها صفة الثمنية كاملة، ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة، من حيث أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامها. انتهى. كما صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بمكة بخصوص زكاة هذه العملات وضمها إلى الذهب والفضة في تكميل النصاب، ونصه: ثالثا: وجوب زكاة الأوراق النقدية، إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة. انتهى نقلاً عن مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد 3، ج3 صـ 1895.
-زكاة الأسهم:
اتفق العلماء المعاصرون على وجوب الزكاة في الأسهم، إما في أصلها، أو في ريعها، واختلفوا في كيفية زكاتها، وأرجح الأقوال وأقربها إلى الصواب هو التمييز بين المساهمات التجارية، والمساهمات الاستثمارية، فالأولى حكمها حكم زكاة عروض التجارة، ثم التمييز في المساهمات الاستثمارية بين ما هو زراعي فيأخذ حكم زكاة الخارج من الأرض، وما هو حيواني فيأخذ حكم زكاة الحيوان، وهكذا.
بدايةً، مالك الأسهم لا يخلو من حالين:
الأول: أن يكون قصده في تملك الأسهم التجارة بها بيعاً وشراءً، وهي ما تسمى بالأسهم التجارية، فيشتريها اليوم لبيعها غداً أو بعد غدٍ، طلباً للربح في تداولها وتقليبها، فهذا النوع يأخذ حكم عروض التجارة، فتجب الزكاة عليه في قيمة تلك الأسهم بقطع النظر عن نوعها، سواء كانت زراعية، أم صناعية، أم تجارية، أم حيوانية .. إلخ، فيزكي أسهمه بحسب قيمتها السوقية كل سنة.
الثاني: أن يكون قصد مالك الأسهم الاستثمار بها، أي أن يستفيد من عائدها السنوي، وهي ما يسمى بالأسهم الاستثمارية، فهو لا يشترى هذه الأسهم بنية بيعها، وإنما بقصد الاستمرار في تملكها، فهذا يزكي أسهمه بحسب طبيعتها، فإن كانت أسهماً في شركة زراعية، ومجالها الاستثماري في زراعة الحبوب والثمار، فتخضع لأحكام الزكاة فيما تخرجه الأرض من الحبوب والثمار مما يكال ويدخر، وإن كانت في شركة حيوانية كتربية الأنعام على سبيل الإنتاج والتسمين، فتخضع لأحكام زكاة الحيوان، وإن كانت في شركة تجارية تختص بتداول السلع بيعاً وشراءً كشركات الاستيراد، فتخضع لأحكام زكاة عروض التجارة، وإن كانت في شركة صناعية، كشركات الإسمنت ونحوها، فتجب الزكاة في صافي أرباحها، قياساً على زكاة ما يعد للكراء، وهذا القول المفصّل هو الذي تجتمع به أدلة الزكاة.
زكاة الأسهم المتعثرة:
في عصرنا الحاضر، كثرت الشركات المساهمة وانتشرت، كما ظهرت شركات توظيف الأموال، والتي تقوم بتحصيل الأموال من أربابها، ثم تقوم بتوظيفها في مشاريع عقارية أو غيرها، وغالباً ما يقع تعثر الأسهم في مثل هذا النوع من الشركات؛ لأنها لا تخضع لنظام قانوني ولا محاسبي، فيكثر فيها التلاعب بأموال الناس دون رقيب، ومن صور التعثر التي يكثر وقوعها: قيام مجموعة من أرباب المال بالمساهمة في أرض عقارية، ثم تقع خصومة على هذه الأرض، وربما استمرت سنين عديدة، فتتعثر المساهمة.
ومن الأسهم المتعثرة الأسهم المحجور على تداولها، وتمكث السنة والسنتين، فإذا لم يتمكن المساهم من استرداد رأس ماله، ولا جزء منه مدة سنة أو أكثر، وكان هذا المال مما تجب فيه الزكاة في الأصل، فإنه يشكل على كثير من المساهمين مدى وجوب الزكاة في هذه الأسهم المتعثرة.
والأسهم المتعثرة من حيث كونها مرجوة الحصول لا تخلو من حالين: إما أن يتوقع أصحابها أن ينتهي التعثر في مدة سنة أو أقل أو أكثر، ويرجع لهم رأس المال أو بعضه، أو لا يتوقع أصحابها أن ينتهي التعثر، ولا بعد مدة طويلة، وفي كلتا الحالتين فإنه ينتظر بالأسهم، فإذا انفك التعثر، وعادت الأسهم إلى أربابها، فإن المساهم يستأنف بها حولاً، ولا تجب الزكاة فيها لما مضى، وإن زكى لسنة ماضية احتياطا كان حسنا، والله تعالى أعلم.
زكاة الأسهم الخاسرة:
في كثير من الأحيان يشتري بعض المساهمين الأسهم بأسعار مرتفعة، ثم تنزل الأسعار نزولا كبيرا، مع كونه قادرا على بيعها، غير أنه ينتظر بها ارتفاع سعرها، ففي هذه الحال اختلف أهل العلم، بين من يوجب زكاتها، ومن يسقط زكاتها، ويلحقها بالأسهم المتعثرة، والأحوط تزكيتها كل سنة بحسب قيمتها؛ لأنها مملوكة له، وقادر على التصرف فيها، غير أنه ينتظر بها ارتفاع سعرها، وهذا لا يعني سقوط الزكاة فيها.
زكاة المال العام:
المال العام هو المال المرصد للنفع العام، دون أن يكون مملوكاً لشخص معين أو جهة معينة، كالأموال العائدة إلى بيت مال المسلمين، والخزانة العامة للدولة، وما يسمى اليوم بالقطاع العام، ولا تجب الزكاة في المال العام؛ إذ ليس له مالك معين، ولا قدرة لأفراد الناس على التصرف فيه، ولا حيازة لهم عليه، ولأن مصرفه منفعة عموم المسلمين، وهو ما جاء ضمنا في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 143 (1/16).
زكاة الأموال الموقوفة:
لا تجب الزكاة في أعيان الأموال الموقوفة على جهة عامة، وقد حكي هذا القول اتفاقا، قال النووي: "إذَا كَانَتْ الْمَاشِيَةُ مَوْقُوفَةً عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ، كَالْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاجِدِ أَوْ الْغُزَاةِ أَوْ الْيَتَامَى وَشَبَهِ ذَلِكَ، فَلَا زَكَاةَ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ, لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ". المجموع 5 / 313، وبه صدرت فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء9 / 412.
كما لا تجب في ريع الوقف الخيري، وإنما تجب في ريع أموال الوقف على معين، وينطبق على أموال المؤسسات العلمية والخيرية والاجتماعية وما في حكمها حكم مال الوقف، سواء كانت أهلية أم خيرية؛ فلا زكاة فيها، أيًّا كان مصدرها.
زكاة المال المأخوذ بطريق محرَّم:
المال الحرام كالمأخوذ غصبا أو سرقة أو رشوة أو ربا أو نحو ذلك ليس مملوكا لمن هو بيده، فلا تجب عليه زكاته؛ لأن الزكاة تمليك، والتمليك غير حاصل لغاصب أو سارق المال؛ ولأن الزكاة تطهر المزكي، وآخذ المال بطريق محرم غير صالح لأن يطهر بإخراج الزكاة، بل الواجب في المال الحرام ردُّه إلى أصحابه إن أمكن معرفتهم، وإلا وجب إخراجه كله عن ملكه على سبيل التخلص منه، لا على سبيل التصدق به.
وعدم وجوب الزكاة في المال المأخوذ بطريق محرم هو مذهب الأئمة الأربعة، لا يعلم فيه خلاف بينهم.
أما صاحب المال المغصوب أو المسروق، الذي لا يقدر على استخلاص ماله، فإنه لا زكاة عليه فيه، فإن قدر صاحبه عليه فقد اختلف فيه، فقيل: ليس عليه زكاة لما مضى من السنين؛ لعدم قدرته عليه تلك الفترة، فهو أشبه المال الضمار، فكان ملكه ناقصا، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه يستقبل به سنة بعد قبضه،ثم يزكيه بعد تلك السنة، وذهب البعض إلى أنه يزكيه إذا قبضه لسنة ماضية فقط، وهذا أحوط.
زكاة السندات:
السند يمثل جزءاً من قرض على الشركة أو الجهة المصدرة له، وتعطي الشركة عليه فائدة محددة عند إصداره، وهذه الفائدة غير مرتبطة بربح الشركة أو خسارتها، والشركة ملزمة بالسداد في الوقت المحدد، وللسند قيمة اسمية هي قيمته الأصلية عند إصداره أول مرة، وقيمة سوقية تتحدد على أساس العرض والطلب، والتعامل بهذه السندات حرام شرعاً لاشتمالها على الفائدة الربوية المحرمة، ولأن تداولها بالبيع والشراء من قبيل بيع الدين لغير من هو عليه، وهو غير جائز.
كيفية تزكية السندات:يحرم التعامل بالسندات لاشتمالها على الفوائد الربوية المحرمة، ومع ذلك تجب على المالك تزكية الأصل -رأس المال- كل عام بضم قيمة رأس مال السندات إلى ماله في النصاب والحول، ويزكي الجميع بنسبة ربع العشر دون الفوائد الربوية المترتبة له، وتصرف في وجوه الخير والمصلحة العامة ما عدا بناء المساجد وطبع المصاحف ونحوها، وهذا الصرف للتخلص من الحرام، ولا يحتسب ذلك من الزكاة، ولا ينفق منه على نفسه أو عياله، وبهذا صدر قرار الهيئة الشرعية لبيت الزكاة الكويتي.
زكاة مكافأة نهاية الخدمة، ومكافأة التقاعد، والراتب التقاعدي:
1- مكافأة نهاية الخدمة هي مبلغ مالي مقطوع يستحقه العامل على رب العمل في نهاية خدمته بمقتضى القوانين والأنظمة إذا توافرت الشروط المحددة فيها.
2- مكافأة التقاعد هي مبلغ مالي مقطوع تؤديه الدولة أو المؤسسات المختصة إلى الموظف أو العامل المشمول بقانون التأمينات الاجتماعية، إذا لم تتوافر جميع الشروط المطلوبة لاستحقاق الراتب التقاعدي.
3- الراتب التقاعدي مبلغ مالي يستحقه شهرياً الموظف أو العامل على الدولة أو المؤسسة المختصة بعد إنتهاء خدمته بمقتضى القوانين والأنظمة إذا توافرت الشروط المحددة فيها.
والحكم فيها كالآتي: لا تجب الزكاة على العامل أو الموظف في هذه الاستحقاقات طيلة مدة الخدمة لعدم تحقق الملك التام الذي يشترط لوجوب الزكاة.
هذه الاستحقاقات إذا صدر القرار بتحديدها وتسليمها للموظف، أو العامل دفعة واحدة، أو على فترات دورية أصبح ملكه لها تامًّا، ويزكي ما قبضه منها زكاة المال المستفاد، وهذا ما صدر به قرار الهيئة الشرعية لبيت الزكاة الكويتي-الندوة الخامسة-بيروت-1995م.
مكافأة الادخار:
مكافأة الادخار: هي نسبة محددة تستقطع من الراتب أو الأجر يضاف إليها نسبة محددة من المؤسسة، وهي تستثمر ويستحقها الموظف أو العامل دفعة واحدة في نهاية خدمته أو حسب النُظم السائدة.
ويختلف حكم زكاتها بحسب نوع الحساب الذي تودع فيه، فإن كانت في حساب خاص لصالح الموظف أو العامل وله الحق في اختيار استثمارها فإنها تضم إلى موجوداته الزكوية من حيث الحول والنصاب. أما إذا لم يكن له على هذا الحساب سلطة فلا زكاة عليه، لعدم ملكه التام له، إلا بعد قبضه فيزكيه عن سنة واحدة، وهو ما صدر به قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 143 (1/16).
زكاة العقارات:
العقارات لا تخلو من ثلاثة أقسام:
1-عقارات مُعدَّة للسكنى، فلا زكاة فيها، لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ ).
2- عقارات مُعدَّة للتجارة، فتجب الزكاة فيها على قيمتها السوقية، على رأس الحول.
3- عقارات مُعدَّة للإيجار، فلا تجب الزكاة في أصولها، وإنما في إيراداتها، فيضم المالك إيرادها إلى أمواله فإن بلغت نصابا، وحال عليها الحول، أدى زكاتها.
الحلي المصنع من غير الذهب والفضة، كالألماس والزمرد ونحوهما.
الألماس والأحجار الكريمة ليس عليها الزكاة إجماعا، ولكن متى عُرضت للبيع أصبحت من عروض التجارة، وتجري الزكاة في قيمتها على رأس الحول، إذا بلغت النصاب.
الثالث: نوازل مصارف الزكاة:
الفقراء والمساكين:
اختلف أهل العلم في صرف الزكاة في بناء أو شراء بيت أو حفر بئر لفقير، فذهب جمع كبير من العلماء إلى أنه لا يجزئ دفع الزكاة في هذه الأمور، باعتبار أن مصارف الزكاة منصوصة في القرآن، وليست هذه الأمور من تلك المصارف.
وذهب البعض إلى جواز دفع الزكاة في ذلك، توسُّعا في معنى الزكاة، والأحوط القول الأول.
أما دفع الزكاة في تسديد فاتورة الهاتف والكهرباء والبنزين وأجرة سائق وشغالة ونحوه، أو في تسديد رسوم تكاليف الدراسة، فالأظهر جواز ذلك باعتبار أنه من حاجيات الفقير، وإذا جاز شراء الأكل والشرب والملبس للفقير من الزكاة، جازت هذه الأمور.
العاملين عليها: يؤخذ العامل على الزكاة منها، ولو كان غنيا، وعليه، فتصرف الزكاة للعاملين على الزكاة في المؤسسات الزكوية، والجمعيات الخيرية، أو العاملين في مشاريع استثمار الزكاة، وغيرها.
في سبيل الله: من الأمور التي كثر السؤال عنها، صرف الزكاة في غير الجهاد، كصرفها في الطرق والجسور والمستشفيات والمدارس وغيره، والصحيح أن ذلك لا يجوز، وأن مصرف "في سبيل الله" المقصود به الجهاد في سبيل الله، فيشمل ذلك قتال الكفار والدعوة إلى الله، وما يتحقق به ذلك من وسائل معاصرة، وبهذا صدر قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية رقم (24) في 21/8/1394هـ، وقرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة في ربيع الآخر 1405هـ.
ابن السبيل: الصحيح في ابن السبيل أنه المتغرب عن وطنه الذي ليس بيده ما يرجع به إلى بلده، كمن انقطع به السفر، واحتاج العودة إلى دياره، أو كان مبعدا عن دياره، لا يستطيع العودة إليها، فيأخذ من الزكاة ما يرده لأهله وداره، ولو كان غنيا في بلده، ولا يجوز صرف الزكاة لمن سافر للتعلم أو العمل في بلد آخر، أو المسافر لمصلحة عامة يعود نفعها على المسلمين، فلا يجوز أن يأخذ هؤلاء من الزكاة على أنهم من صنف ابن السبيل، لكن له أن يأخذ بوصف آخر، كالفقر ونحوه.
الرابع: متفرقات:
احتساب الضريبة من الزكاة
لا يجوز احتساب الضرائب المفروضة على المال ضمن الزكاة الواجبة؛ لأن الضرائب تشريع وضعي قابل للخفض والرفع والإلغاء، ولا يختص بوعاء معين، ولا بمصرف معين، بخلاف الزكاة التي هي فرض الله، وأحد أركان الإسلام، ولها مصارف معينة، ووعاء معين، وقد قرر المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد في مايو 1965 أن ما يفرض من الضرائب لمصلحة الدولة لا يغني القيام بها عن أداء الزكاة، وبه صدرت فتوى اللجنة الدائمة. فتاوى اللجنة الدائمة 9 / 339.
استثمار أموال الزكاة:
استثمار أموال الزكاة إما أن يكون من مالك الزكاة، وإما أن يكون من الإمام أو نائبه، فإن كان من قبل المالك لم يجز؛ لأن المال إذا وجبت فيه الزكاة، باكتمال الشروط التي أوجبها الشرع، فإن مقتضى الوجوب المبادرة بإخراج الزكاة، فإن أراد استثمار أموال الزكاة ليعود بالنفع على الفقراء، فإن هذا يستلزم تأخير إخراج الزكاة عن وقتها، وهذا أمر لا يجوز، قال النووي:"إذا وجبت الزكاة وتمكن من إخراجها، وجب الإخراج على الفور، فإن أخرها أثم، وبه قال مالك وأحمد وجمهور العلماء". المجموع 5/335.
كما أنه نوعُ تصرفٍ فيما لا يملك، حيث تعلق به حق الفقراء.
وأما إن كان من قبل الإمام أو نائبه، فإذا وصلت أموال الزكاة إلى يد الإمام أو نائبه، من مؤسسة أو جمعية خيرية أقامتها الدولة ونصبتها لهذا العمل، أو بيت مال للمسلمين أو بيت الزكاة ونحوه، ممن خولتهم الدولة، فالواجب المبادرة بإخراج الزكاة إلى مستحقيها بمجرد قبضها، وأنه لا مانع في حال ما إذا اقتضت المصلحة العمل في هذه الأموال باستثمار ونحوه، وهو ما صدر به قرار المجمع الفقهي المنعقد في جدة، في صفر1407هـ، رقم 15(3/3)، فقد جاء فيه:" يجوز من حيث المبدأ توظيف أموال الزكاة في مشاريع استثمارية تنتهي بتمليك أصحاب الاستحقاق للزكاة، أو تكون تابعة للجهة الشرعية المسؤولة عن جمع الزكاة وتوزيعها، على أن تكون بعد تلبية الحاجة الماسة الفورية للمستحقين وتوافر الضمانات الكافية للبعد عن الخسارة".اهـ.
وهذا الجواز مشروط بكون العمل الاستثماري له نهاية في وقت مناسب، وبعدها تقوم الجهة القائمة بهذا العمل بتوزيع أصل المال وأرباحه على المستحقين، ولا يجوز إبقاء أصل المال عند الجهة المستثمرة؛ لما في ذلك من عدم إيصال الحق لمستحقيه، وفي حال بقاء أصل المال المستثمَر عند الإمام أو نائبه للاستثمار بصورة دائمة، فإنه لا يجوز هذا الاستثمار، بل الواجب إيصال المال إلى مستحقيه.
زكاة المستغلات:
المستغلات هي الأموال التي لم تُعد للبيع، ولم تتخذ للتجارة بأعيانها، وإنما أعدت للنماء، وأخذ منافعها وثمرتها، ببيع ما يحصل منها من نتاج أو كرائه.
فيدخل في المستغلات الدور والعمارات والمصانع والطائرات والسفن والسيارات وغير ذلك، مما أعد لأخذ ريعه ونتاجه، ويدخل في ذلك أيضاً البقر والجاموس والغنم غير السائمة تتخذ ليستفاد من لبنها أو أصوافها.
وقد صدر قرار مجمع الفقه الدولي في زكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية، قرار رقم: 2 (2/2) وفيه:
أولا: أنه لم يؤثر نصٌّ واضح يوجب الزكاة في العقارات والأراضي المأجورة. ثانيا: أنه لم يؤثر نص واضح كذلك يوجب الفورية في غلة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية, ولذلك قرر:
أولا: أن الزكاة غير واجبة في أصول العقارات والأراضي المأجورة.
ثانيا: أن الزكاة تجب في الغلة وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم القبض مع اعتبار توافر شروط الزكاة وانتفاء الموانع.
شراء العقار:
ومما يلحق بمسألة عروض التجارة، مسألة مَن اشترى عقارا فهو لا يخلو من الآتي:
أولا: أن يشتريه بنية التجارة، أي: ليتاجر بها، لا ليسكنه بعد بنائها، ففيها زكاة، وزكاتها زكاة عروض التجارة، فإذا حال الحول قدَّر قيمته، وأخرج ربع عشر القيمة الحالية.
ثانيا: أن يشتريه بغير نية التجارة، إما لحفظ ماله، وإما ليسكنه بعد مدة، فهذه لا زكاة فيها أبدا ولو طالت المدة؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)، فإذا قدر أنه باع هذا العقار، فإنه يستقبل بثمنه حولا، ثم يزكيه إن بقي.
ثالثا: أن يشتريه ليؤجره غيره، فهنا تجب الزكاة في أجرته، إذا حال عليها الحول، وكانت بالغة النصاب، كما سبق في زكاة المستغلات.
رابعا: أن يشتري العقار بنية التجارة، على أن يبيعه بعد فترة طويلة، ثلاث سنوات مثلا، بحيث يكون ثمنه قد تضاعف، فهذا تجب عليه الزكاة؛ لأنها تعتبر من عروض التجارة التي ينتظر بها الربح.
خامسا: إذا اشترى عقارا للقنية، ثم نواه للتجارة، ومن صورها المنح التي تمنحها الدولة لبعض الأشخاص لبنائها، ثم يتركها صاحبها وينوي بيعها بعد فترة، فالصحيح أنه تجب الزكاة في قيمته من وقت نواه للتجارة، وهو ما صدرت به فتوى اللجنة الدائمة رقم (9/339،340)، وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
سادسا: أن يشتري عقارا ليبيعه، ثم بعد عرضه لا يجد من يشتريه، فإن استمرت سنين فإن الشيخ ابن عثيمين له فتوى خاصة في هذه المسألة، ونصُّها كالآتي: "من اشترى أرضاً للربح ثم كسدت الأرض ورخصت وأبقاها لحين ارتفاع السعر فإنه يزكيها كل سنة؛ لأنها من عروض التجارة، وإن لم يكن عنده مال يخرج زكاتها ولا يجد مشترياً، فيقدر ثمنها عند وجوب الزكاة ويقيد زكاتها، وفي السنة الثانية يقدر زكاة قيمتها، ثم الثالثة كذلك، فإذا باعها في أي وقت يخرج جملة الزكاة التي قدرها". مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 18 / 145.
نوازل زكاة الفطر:
توكيل الجمعيات الخيرية والمراكز الإسلامية في إخراج زكاة الفطر:
الصحيح جواز دفع زكاة الفطر قبل العيد ولو بمدة طويلة من المزكي إلى الوكيل إذا كانت الجمعية نائبة عن المزكي، وذلك هو الغالب في الجهات الخيرية التي لم تكلف من قبل الدولة بجمع الزَّكَاة وتوزيعها، وأما تأخير إخراجها عن يوم العيد فلا يجوز.
وأما المراكز الإسلامية في البلاد غير الإسلامية فهي نائبة عن المزكي والفقير معاً، وذلك إذا كانت جهة الزَّكَاة حكومية أو مكلفة من الدولة بجمع الزَّكَاة وتوزيعها، فتكون وكيلة عن الغني لكونه دفع الزَّكَاة لها، وطلب منها توزيعها على المستحقين، وتكون نائبة عن الفقير لكونها مكلفة من الإمام وهو نائب عن الفقراء فتكون نائبة عن الإمام في القيام بجمع الزَّكَاة وتفريقها على مستحقيها.
نقل زكاة الفطر:
الأصل ألا تدفع زكاة الفطر إلا لمستحقيها من أهل البلد الذي وجبت فيه؛ لأنهم الأحق والأولى من غيرهم، ولأنها زكاة متعلقة ببدن من وجبت عليه، وهو سبب وجوبها، فنقلُها نقلٌ لها عن محل وجوبها، فلا تنقل عن ذلك البلد ما دام فيها مستحق للزكاة، فإذا لم يوجد من يحتاجها من أهل هذا البلد، أو كان يتعذر عليه معرفة المساكين فيه، جاز نقلها إلى بلد يوجد به من يستحقها.
إخراج زكاة الفطر من مطعوم البلد، كالأرز، والمكرونة، ونحوه:
الصحيح في إخراج زكاة الفطر أنها ما كانت قوتا لأهل البلد، سواء كان من الشعير أو الأرز أو التمر أو غيره، من المكرونة أو اللحم، فما دام قوتا جاز إخراجه، قال الشيخ ابن عثيمين: "والصحيح أن كل ما كان قوتاً من حبٍّ وثمرٍ ولحمٍ ونحوها فهو مجزئ".
وجاء في فتوى اللجنة الدائمة: "زكاة الفطر صاع من البر أو التمر أو الأرز ونحوها من قوت البلد للشخص الواحد، ذكراً أو أنثى صغيراً أو كبيراً".
كتبه : د.محمد بن موسى الدالي
في 15/9/1431هـ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق، وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد، فإن من عظيم نعمة الله على عباده أن شرع لهم الزكاة وأوجبها عليهم، وجعلها ثالث ركن من أركان الدين، وقرنها الله تعالى في كتابه بالصلاة في غير ما موضع، فقال تعالى: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ البقرة-43، وقال تعالى: فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ التوبة-11، وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ التوبة-34، ومن السنة عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ..الحديث ) أخرجه البخاري ومسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل السعاة ليقبضوا الصدقات، وأرسل معاذا رضي الله عنه إلى أهل اليمن، وقال له: ( أعلِمْهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)أخرجه البخاري ومسلم.
الحكمة من مشروعية الزكاة:
لقد اشتمل تشريع الزكاة على حِكَمٍ جليلةٍ بالغة، فإخراج الزكاة طهرةٌ لأموال المسلم، وقربةٌ إلى الله تعالى يزداد بها بركة وصلاحا، وطهرةٌ لنفسه من الطمع والحرص وعدم المبالاة بمعاناة الغير، وطهرة للمجتمع من التحاسد والتباغض، وعنصر هام لزيادة التواد والتكافل بين أفراد المجتمع، وهى كذلك طهرة لنفس الفقير من الغيرة والحسد والكراهية لأصحاب الثروات، وتؤدى الزكاة إلى زيادة تماسك المجتمع، وتكافل أفراده، والقضاء على الفقر وما يرتبط به من مشاكل اجتماعية واقتصادية وأخلاقية.
وقد جدَّ بالمسلمين نوازل كثيرة جدا في باب الزكاة، وإن كان بعضها لا يطلق عليها نازلة بالمعنى الاصطلاحي، إلا أنه عمَّ به البلاء في هذا العصر؛ لذا عزمت على تقريب أهم هذه النوازل وأشهرها، وما يكثر عنه السؤال، وجعلها في مطوية مختصرة، تسهل على طالب العلم، وعلى عامة المسلمين الاطلاع على حكم كل نازلة على حِدة، تقريبا للفقه، وتسهيلا له بين يدي الأمة.
وقد تنوعت تلك النوازل، فتارة في شروط الزكاة، كالنصاب والحول، وتارة فيما يجب إخراجه، وتارة في مصارف الزكاة، وتارة في متفرقات في الزكاة، على النحو الآتي:
الأول: نوازل شروط الزكاة:
1- النصاب:
يكثر السؤال: هل المعتبر الذهب أم الفضة في تقدير النصاب؟ وهذه المسألة من المسائل المختلف فيها، فكثير من أهل العلم يعتبر الأحظ للفقراء من أحدهما، فإن بلغ المال النصاب بحسب سعر الفضة أوَّلاً، اعتبر النصاب بالفضة، وكذا في الذهب.
وذهب جمع كبير أيضا أهل العلم إلى اعتبار الذهب مطلقا، نظراً للهبوط الكبير في سعر الفضة، مع ثبات واضح في القدرة الشرائية للذهب، ولأنه هو الأصل في التعامل، ولأن غطاء النقود هو بالذهب، ولأن المثقال كان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعند أهل مكة هو أساس العملة، ولعل الأرجح والله أعلم هو الأحظ للفقير من أحدهما؛ لأنه الأنفع له، ولأن الشريعة جاءت بإثبات نصاب الذهب، ونصاب الفضة، ولأن هذا أحوط وأبرأ للذمة، وهو ما جاء ضمنا في قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد بعمان 1407هـ رقم .
وعلى هذا فإذا أردت أن تخرج نصاب الأوراق النقدية بالريالات السعودية أو بالجنيهات المصرية أو بالجنيهات السودانية أو غير ذلك من هذه العملات، فإنك تنظر لنصاب الفضة كم يساوي اليوم وتنظر أيضاً إلى نصاب الذهب كم يساوي بالأوراق النقدية، فنصاب الفضة بالغرامات يساوي (595) جراماً من الفضة، وأما نصاب الذهب فهو يساوي (85) جراماً على الصحيح.
وهل يعتبر مصنعا أم غير مصنع؟
تحسب زكاة حلى الذهب والفضة حسب وزن الذهب والفضة الخالصين، ولا اعتبار بالقيمة، ولا زيادتها بسبب الصياغة والصناعة، ولا بقيمة الأحجار الكريمة والقطع المضافة من غير الذهب والفضة.
كما أن المقتنيات من الذهب والفضة، وإن حرمت تجب الزكاة فيها، كالذي يتخذه الرجل من الزينة المحرمة، كسوار الذهب، أو الساعة الذهبية، أو قلم ذهبى، أو خاتم ذهبي، وحلى المرأة من الذهب والفضة التى تتخذها تشبها بالرجال، وكذلك آنية الذهب والفضة ونحوها.
2-الحول: من النوازل التي يكثر السؤال عنها: زكاة الراتب الشهري للموظفين، وذلك أن الرواتب تأتي شهريا، وهي لا تخلو من حالين:
الأولى: ألا يحول على هذا الراتب حولا؛ لأنه ينفقه، ولا يبقى له ما يبلغ النصاب، فهذا لا زكاة فيه.
الثانية: أن يحول على هذا الراتب الحول، فهذا يجب أن يخرج زكاة كل مال حال عليه الحول، فإذا استلم مرتَّبًا في شهر محرم، ومرَّت سنة على هذا الراتب، فإنه يخرج زكاته في محرم، وراتب صفر يخرج زكاته في صفر بعد سنة، وهكذا، ولا شك أن في هذا مشقة عليه، ودرءًا لهذه المشقة فإنه يجعل الزكاة في شهر واحد لجميع ما في رصيده من هذه الوظيفة، كأن يكون في شهر محرم إذا نزل راتب هذا الشهر زكَّى كل ما في رصيده من هذه الوظيفة، فيكون بالنسبة لمحرم قد حال عليه الحول، وبالنسبة لما بعده زكاة معجلة، ولا بأس بتعجيل الزكاة على الصحيح.
3-استقرار الملك: جمعيات الموظفين من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم، والأكثرون على جوازها، وزكاتها كالآتي:
أولا: من استلم المال المجموع، وكان بالغا نصابا، فإما أن يضيفه إلى حول مالٍ سابق عنده، وإما أن يستقبل به حولا جديدا، ثم يزكيه في نهاية هذا الحول، هذا إذا بقي النصاب إلى نهاية الحول، أما لو أنفق مال الجمعية حتى ذهب كله أو نقص عن النصاب، فلا زكاة عليه.
مثال: من كان لديه مال بلغ نصاباً في شهر رمضان، ثم استلم مال الجمعية في شهر شوال، فإما أن يزكي الجميع في رمضان التالي، وإما أن يزكي كلَّ مالٍ في حوله، هذا في رمضان، والآخر في شوال.
ثانيا: إذ كان قسط الجمعية الشهري يبلغ نصاباً، أو كان عنده مال آخر غير مال الجمعية يكمل النصاب، ثم مضى عام هجري على البدء في الجمعية، ولنفرض أن مجموع ما دفعه مثلا (20ألفا)، ولم يستلم الجمعية بعد، فإنه يلزمه زكاة هذا المبلغ (20ألفا)؛ لأنه في حكم الدَّيْن على إخوانه المشاركين معه.
ولا زكاة فيما إذا كان القسط لا يبلغ نصاباً، وليس عنده مال آخر يكمل النصاب.
الثاني: نوازل ما يجب إخراجه:
1- زكاة الأوراق النقدية والمالية:
المتقرر عند أهل العلم في العصر الحديث أن العملات الورقية قائمة عن الذهب والفضة، وأنها تجب فيها الزكاة ببلوغها الأحظى للفقير من نصاب الذهب أو الفضة، وأنها أجناس قائمة بذاتها، كما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد بعمان 1407هـ، ونصه: أولاً: بخصوص أحكام العملات الورقية: أنها نقود اعتيادية فيها صفة الثمنية كاملة، ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة، من حيث أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامها. انتهى. كما صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بمكة بخصوص زكاة هذه العملات وضمها إلى الذهب والفضة في تكميل النصاب، ونصه: ثالثا: وجوب زكاة الأوراق النقدية، إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة. انتهى نقلاً عن مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد 3، ج3 صـ 1895.
-زكاة الأسهم:
اتفق العلماء المعاصرون على وجوب الزكاة في الأسهم، إما في أصلها، أو في ريعها، واختلفوا في كيفية زكاتها، وأرجح الأقوال وأقربها إلى الصواب هو التمييز بين المساهمات التجارية، والمساهمات الاستثمارية، فالأولى حكمها حكم زكاة عروض التجارة، ثم التمييز في المساهمات الاستثمارية بين ما هو زراعي فيأخذ حكم زكاة الخارج من الأرض، وما هو حيواني فيأخذ حكم زكاة الحيوان، وهكذا.
بدايةً، مالك الأسهم لا يخلو من حالين:
الأول: أن يكون قصده في تملك الأسهم التجارة بها بيعاً وشراءً، وهي ما تسمى بالأسهم التجارية، فيشتريها اليوم لبيعها غداً أو بعد غدٍ، طلباً للربح في تداولها وتقليبها، فهذا النوع يأخذ حكم عروض التجارة، فتجب الزكاة عليه في قيمة تلك الأسهم بقطع النظر عن نوعها، سواء كانت زراعية، أم صناعية، أم تجارية، أم حيوانية .. إلخ، فيزكي أسهمه بحسب قيمتها السوقية كل سنة.
الثاني: أن يكون قصد مالك الأسهم الاستثمار بها، أي أن يستفيد من عائدها السنوي، وهي ما يسمى بالأسهم الاستثمارية، فهو لا يشترى هذه الأسهم بنية بيعها، وإنما بقصد الاستمرار في تملكها، فهذا يزكي أسهمه بحسب طبيعتها، فإن كانت أسهماً في شركة زراعية، ومجالها الاستثماري في زراعة الحبوب والثمار، فتخضع لأحكام الزكاة فيما تخرجه الأرض من الحبوب والثمار مما يكال ويدخر، وإن كانت في شركة حيوانية كتربية الأنعام على سبيل الإنتاج والتسمين، فتخضع لأحكام زكاة الحيوان، وإن كانت في شركة تجارية تختص بتداول السلع بيعاً وشراءً كشركات الاستيراد، فتخضع لأحكام زكاة عروض التجارة، وإن كانت في شركة صناعية، كشركات الإسمنت ونحوها، فتجب الزكاة في صافي أرباحها، قياساً على زكاة ما يعد للكراء، وهذا القول المفصّل هو الذي تجتمع به أدلة الزكاة.
زكاة الأسهم المتعثرة:
في عصرنا الحاضر، كثرت الشركات المساهمة وانتشرت، كما ظهرت شركات توظيف الأموال، والتي تقوم بتحصيل الأموال من أربابها، ثم تقوم بتوظيفها في مشاريع عقارية أو غيرها، وغالباً ما يقع تعثر الأسهم في مثل هذا النوع من الشركات؛ لأنها لا تخضع لنظام قانوني ولا محاسبي، فيكثر فيها التلاعب بأموال الناس دون رقيب، ومن صور التعثر التي يكثر وقوعها: قيام مجموعة من أرباب المال بالمساهمة في أرض عقارية، ثم تقع خصومة على هذه الأرض، وربما استمرت سنين عديدة، فتتعثر المساهمة.
ومن الأسهم المتعثرة الأسهم المحجور على تداولها، وتمكث السنة والسنتين، فإذا لم يتمكن المساهم من استرداد رأس ماله، ولا جزء منه مدة سنة أو أكثر، وكان هذا المال مما تجب فيه الزكاة في الأصل، فإنه يشكل على كثير من المساهمين مدى وجوب الزكاة في هذه الأسهم المتعثرة.
والأسهم المتعثرة من حيث كونها مرجوة الحصول لا تخلو من حالين: إما أن يتوقع أصحابها أن ينتهي التعثر في مدة سنة أو أقل أو أكثر، ويرجع لهم رأس المال أو بعضه، أو لا يتوقع أصحابها أن ينتهي التعثر، ولا بعد مدة طويلة، وفي كلتا الحالتين فإنه ينتظر بالأسهم، فإذا انفك التعثر، وعادت الأسهم إلى أربابها، فإن المساهم يستأنف بها حولاً، ولا تجب الزكاة فيها لما مضى، وإن زكى لسنة ماضية احتياطا كان حسنا، والله تعالى أعلم.
زكاة الأسهم الخاسرة:
في كثير من الأحيان يشتري بعض المساهمين الأسهم بأسعار مرتفعة، ثم تنزل الأسعار نزولا كبيرا، مع كونه قادرا على بيعها، غير أنه ينتظر بها ارتفاع سعرها، ففي هذه الحال اختلف أهل العلم، بين من يوجب زكاتها، ومن يسقط زكاتها، ويلحقها بالأسهم المتعثرة، والأحوط تزكيتها كل سنة بحسب قيمتها؛ لأنها مملوكة له، وقادر على التصرف فيها، غير أنه ينتظر بها ارتفاع سعرها، وهذا لا يعني سقوط الزكاة فيها.
زكاة المال العام:
المال العام هو المال المرصد للنفع العام، دون أن يكون مملوكاً لشخص معين أو جهة معينة، كالأموال العائدة إلى بيت مال المسلمين، والخزانة العامة للدولة، وما يسمى اليوم بالقطاع العام، ولا تجب الزكاة في المال العام؛ إذ ليس له مالك معين، ولا قدرة لأفراد الناس على التصرف فيه، ولا حيازة لهم عليه، ولأن مصرفه منفعة عموم المسلمين، وهو ما جاء ضمنا في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 143 (1/16).
زكاة الأموال الموقوفة:
لا تجب الزكاة في أعيان الأموال الموقوفة على جهة عامة، وقد حكي هذا القول اتفاقا، قال النووي: "إذَا كَانَتْ الْمَاشِيَةُ مَوْقُوفَةً عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ، كَالْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاجِدِ أَوْ الْغُزَاةِ أَوْ الْيَتَامَى وَشَبَهِ ذَلِكَ، فَلَا زَكَاةَ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ, لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ". المجموع 5 / 313، وبه صدرت فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء9 / 412.
كما لا تجب في ريع الوقف الخيري، وإنما تجب في ريع أموال الوقف على معين، وينطبق على أموال المؤسسات العلمية والخيرية والاجتماعية وما في حكمها حكم مال الوقف، سواء كانت أهلية أم خيرية؛ فلا زكاة فيها، أيًّا كان مصدرها.
زكاة المال المأخوذ بطريق محرَّم:
المال الحرام كالمأخوذ غصبا أو سرقة أو رشوة أو ربا أو نحو ذلك ليس مملوكا لمن هو بيده، فلا تجب عليه زكاته؛ لأن الزكاة تمليك، والتمليك غير حاصل لغاصب أو سارق المال؛ ولأن الزكاة تطهر المزكي، وآخذ المال بطريق محرم غير صالح لأن يطهر بإخراج الزكاة، بل الواجب في المال الحرام ردُّه إلى أصحابه إن أمكن معرفتهم، وإلا وجب إخراجه كله عن ملكه على سبيل التخلص منه، لا على سبيل التصدق به.
وعدم وجوب الزكاة في المال المأخوذ بطريق محرم هو مذهب الأئمة الأربعة، لا يعلم فيه خلاف بينهم.
أما صاحب المال المغصوب أو المسروق، الذي لا يقدر على استخلاص ماله، فإنه لا زكاة عليه فيه، فإن قدر صاحبه عليه فقد اختلف فيه، فقيل: ليس عليه زكاة لما مضى من السنين؛ لعدم قدرته عليه تلك الفترة، فهو أشبه المال الضمار، فكان ملكه ناقصا، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه يستقبل به سنة بعد قبضه،ثم يزكيه بعد تلك السنة، وذهب البعض إلى أنه يزكيه إذا قبضه لسنة ماضية فقط، وهذا أحوط.
زكاة السندات:
السند يمثل جزءاً من قرض على الشركة أو الجهة المصدرة له، وتعطي الشركة عليه فائدة محددة عند إصداره، وهذه الفائدة غير مرتبطة بربح الشركة أو خسارتها، والشركة ملزمة بالسداد في الوقت المحدد، وللسند قيمة اسمية هي قيمته الأصلية عند إصداره أول مرة، وقيمة سوقية تتحدد على أساس العرض والطلب، والتعامل بهذه السندات حرام شرعاً لاشتمالها على الفائدة الربوية المحرمة، ولأن تداولها بالبيع والشراء من قبيل بيع الدين لغير من هو عليه، وهو غير جائز.
كيفية تزكية السندات:يحرم التعامل بالسندات لاشتمالها على الفوائد الربوية المحرمة، ومع ذلك تجب على المالك تزكية الأصل -رأس المال- كل عام بضم قيمة رأس مال السندات إلى ماله في النصاب والحول، ويزكي الجميع بنسبة ربع العشر دون الفوائد الربوية المترتبة له، وتصرف في وجوه الخير والمصلحة العامة ما عدا بناء المساجد وطبع المصاحف ونحوها، وهذا الصرف للتخلص من الحرام، ولا يحتسب ذلك من الزكاة، ولا ينفق منه على نفسه أو عياله، وبهذا صدر قرار الهيئة الشرعية لبيت الزكاة الكويتي.
زكاة مكافأة نهاية الخدمة، ومكافأة التقاعد، والراتب التقاعدي:
1- مكافأة نهاية الخدمة هي مبلغ مالي مقطوع يستحقه العامل على رب العمل في نهاية خدمته بمقتضى القوانين والأنظمة إذا توافرت الشروط المحددة فيها.
2- مكافأة التقاعد هي مبلغ مالي مقطوع تؤديه الدولة أو المؤسسات المختصة إلى الموظف أو العامل المشمول بقانون التأمينات الاجتماعية، إذا لم تتوافر جميع الشروط المطلوبة لاستحقاق الراتب التقاعدي.
3- الراتب التقاعدي مبلغ مالي يستحقه شهرياً الموظف أو العامل على الدولة أو المؤسسة المختصة بعد إنتهاء خدمته بمقتضى القوانين والأنظمة إذا توافرت الشروط المحددة فيها.
والحكم فيها كالآتي: لا تجب الزكاة على العامل أو الموظف في هذه الاستحقاقات طيلة مدة الخدمة لعدم تحقق الملك التام الذي يشترط لوجوب الزكاة.
هذه الاستحقاقات إذا صدر القرار بتحديدها وتسليمها للموظف، أو العامل دفعة واحدة، أو على فترات دورية أصبح ملكه لها تامًّا، ويزكي ما قبضه منها زكاة المال المستفاد، وهذا ما صدر به قرار الهيئة الشرعية لبيت الزكاة الكويتي-الندوة الخامسة-بيروت-1995م.
مكافأة الادخار:
مكافأة الادخار: هي نسبة محددة تستقطع من الراتب أو الأجر يضاف إليها نسبة محددة من المؤسسة، وهي تستثمر ويستحقها الموظف أو العامل دفعة واحدة في نهاية خدمته أو حسب النُظم السائدة.
ويختلف حكم زكاتها بحسب نوع الحساب الذي تودع فيه، فإن كانت في حساب خاص لصالح الموظف أو العامل وله الحق في اختيار استثمارها فإنها تضم إلى موجوداته الزكوية من حيث الحول والنصاب. أما إذا لم يكن له على هذا الحساب سلطة فلا زكاة عليه، لعدم ملكه التام له، إلا بعد قبضه فيزكيه عن سنة واحدة، وهو ما صدر به قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 143 (1/16).
زكاة العقارات:
العقارات لا تخلو من ثلاثة أقسام:
1-عقارات مُعدَّة للسكنى، فلا زكاة فيها، لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ ).
2- عقارات مُعدَّة للتجارة، فتجب الزكاة فيها على قيمتها السوقية، على رأس الحول.
3- عقارات مُعدَّة للإيجار، فلا تجب الزكاة في أصولها، وإنما في إيراداتها، فيضم المالك إيرادها إلى أمواله فإن بلغت نصابا، وحال عليها الحول، أدى زكاتها.
الحلي المصنع من غير الذهب والفضة، كالألماس والزمرد ونحوهما.
الألماس والأحجار الكريمة ليس عليها الزكاة إجماعا، ولكن متى عُرضت للبيع أصبحت من عروض التجارة، وتجري الزكاة في قيمتها على رأس الحول، إذا بلغت النصاب.
الثالث: نوازل مصارف الزكاة:
الفقراء والمساكين:
اختلف أهل العلم في صرف الزكاة في بناء أو شراء بيت أو حفر بئر لفقير، فذهب جمع كبير من العلماء إلى أنه لا يجزئ دفع الزكاة في هذه الأمور، باعتبار أن مصارف الزكاة منصوصة في القرآن، وليست هذه الأمور من تلك المصارف.
وذهب البعض إلى جواز دفع الزكاة في ذلك، توسُّعا في معنى الزكاة، والأحوط القول الأول.
أما دفع الزكاة في تسديد فاتورة الهاتف والكهرباء والبنزين وأجرة سائق وشغالة ونحوه، أو في تسديد رسوم تكاليف الدراسة، فالأظهر جواز ذلك باعتبار أنه من حاجيات الفقير، وإذا جاز شراء الأكل والشرب والملبس للفقير من الزكاة، جازت هذه الأمور.
العاملين عليها: يؤخذ العامل على الزكاة منها، ولو كان غنيا، وعليه، فتصرف الزكاة للعاملين على الزكاة في المؤسسات الزكوية، والجمعيات الخيرية، أو العاملين في مشاريع استثمار الزكاة، وغيرها.
في سبيل الله: من الأمور التي كثر السؤال عنها، صرف الزكاة في غير الجهاد، كصرفها في الطرق والجسور والمستشفيات والمدارس وغيره، والصحيح أن ذلك لا يجوز، وأن مصرف "في سبيل الله" المقصود به الجهاد في سبيل الله، فيشمل ذلك قتال الكفار والدعوة إلى الله، وما يتحقق به ذلك من وسائل معاصرة، وبهذا صدر قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية رقم (24) في 21/8/1394هـ، وقرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة في ربيع الآخر 1405هـ.
ابن السبيل: الصحيح في ابن السبيل أنه المتغرب عن وطنه الذي ليس بيده ما يرجع به إلى بلده، كمن انقطع به السفر، واحتاج العودة إلى دياره، أو كان مبعدا عن دياره، لا يستطيع العودة إليها، فيأخذ من الزكاة ما يرده لأهله وداره، ولو كان غنيا في بلده، ولا يجوز صرف الزكاة لمن سافر للتعلم أو العمل في بلد آخر، أو المسافر لمصلحة عامة يعود نفعها على المسلمين، فلا يجوز أن يأخذ هؤلاء من الزكاة على أنهم من صنف ابن السبيل، لكن له أن يأخذ بوصف آخر، كالفقر ونحوه.
الرابع: متفرقات:
احتساب الضريبة من الزكاة
لا يجوز احتساب الضرائب المفروضة على المال ضمن الزكاة الواجبة؛ لأن الضرائب تشريع وضعي قابل للخفض والرفع والإلغاء، ولا يختص بوعاء معين، ولا بمصرف معين، بخلاف الزكاة التي هي فرض الله، وأحد أركان الإسلام، ولها مصارف معينة، ووعاء معين، وقد قرر المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد في مايو 1965 أن ما يفرض من الضرائب لمصلحة الدولة لا يغني القيام بها عن أداء الزكاة، وبه صدرت فتوى اللجنة الدائمة. فتاوى اللجنة الدائمة 9 / 339.
استثمار أموال الزكاة:
استثمار أموال الزكاة إما أن يكون من مالك الزكاة، وإما أن يكون من الإمام أو نائبه، فإن كان من قبل المالك لم يجز؛ لأن المال إذا وجبت فيه الزكاة، باكتمال الشروط التي أوجبها الشرع، فإن مقتضى الوجوب المبادرة بإخراج الزكاة، فإن أراد استثمار أموال الزكاة ليعود بالنفع على الفقراء، فإن هذا يستلزم تأخير إخراج الزكاة عن وقتها، وهذا أمر لا يجوز، قال النووي:"إذا وجبت الزكاة وتمكن من إخراجها، وجب الإخراج على الفور، فإن أخرها أثم، وبه قال مالك وأحمد وجمهور العلماء". المجموع 5/335.
كما أنه نوعُ تصرفٍ فيما لا يملك، حيث تعلق به حق الفقراء.
وأما إن كان من قبل الإمام أو نائبه، فإذا وصلت أموال الزكاة إلى يد الإمام أو نائبه، من مؤسسة أو جمعية خيرية أقامتها الدولة ونصبتها لهذا العمل، أو بيت مال للمسلمين أو بيت الزكاة ونحوه، ممن خولتهم الدولة، فالواجب المبادرة بإخراج الزكاة إلى مستحقيها بمجرد قبضها، وأنه لا مانع في حال ما إذا اقتضت المصلحة العمل في هذه الأموال باستثمار ونحوه، وهو ما صدر به قرار المجمع الفقهي المنعقد في جدة، في صفر1407هـ، رقم 15(3/3)، فقد جاء فيه:" يجوز من حيث المبدأ توظيف أموال الزكاة في مشاريع استثمارية تنتهي بتمليك أصحاب الاستحقاق للزكاة، أو تكون تابعة للجهة الشرعية المسؤولة عن جمع الزكاة وتوزيعها، على أن تكون بعد تلبية الحاجة الماسة الفورية للمستحقين وتوافر الضمانات الكافية للبعد عن الخسارة".اهـ.
وهذا الجواز مشروط بكون العمل الاستثماري له نهاية في وقت مناسب، وبعدها تقوم الجهة القائمة بهذا العمل بتوزيع أصل المال وأرباحه على المستحقين، ولا يجوز إبقاء أصل المال عند الجهة المستثمرة؛ لما في ذلك من عدم إيصال الحق لمستحقيه، وفي حال بقاء أصل المال المستثمَر عند الإمام أو نائبه للاستثمار بصورة دائمة، فإنه لا يجوز هذا الاستثمار، بل الواجب إيصال المال إلى مستحقيه.
زكاة المستغلات:
المستغلات هي الأموال التي لم تُعد للبيع، ولم تتخذ للتجارة بأعيانها، وإنما أعدت للنماء، وأخذ منافعها وثمرتها، ببيع ما يحصل منها من نتاج أو كرائه.
فيدخل في المستغلات الدور والعمارات والمصانع والطائرات والسفن والسيارات وغير ذلك، مما أعد لأخذ ريعه ونتاجه، ويدخل في ذلك أيضاً البقر والجاموس والغنم غير السائمة تتخذ ليستفاد من لبنها أو أصوافها.
وقد صدر قرار مجمع الفقه الدولي في زكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية، قرار رقم: 2 (2/2) وفيه:
أولا: أنه لم يؤثر نصٌّ واضح يوجب الزكاة في العقارات والأراضي المأجورة. ثانيا: أنه لم يؤثر نص واضح كذلك يوجب الفورية في غلة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية, ولذلك قرر:
أولا: أن الزكاة غير واجبة في أصول العقارات والأراضي المأجورة.
ثانيا: أن الزكاة تجب في الغلة وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم القبض مع اعتبار توافر شروط الزكاة وانتفاء الموانع.
شراء العقار:
ومما يلحق بمسألة عروض التجارة، مسألة مَن اشترى عقارا فهو لا يخلو من الآتي:
أولا: أن يشتريه بنية التجارة، أي: ليتاجر بها، لا ليسكنه بعد بنائها، ففيها زكاة، وزكاتها زكاة عروض التجارة، فإذا حال الحول قدَّر قيمته، وأخرج ربع عشر القيمة الحالية.
ثانيا: أن يشتريه بغير نية التجارة، إما لحفظ ماله، وإما ليسكنه بعد مدة، فهذه لا زكاة فيها أبدا ولو طالت المدة؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)، فإذا قدر أنه باع هذا العقار، فإنه يستقبل بثمنه حولا، ثم يزكيه إن بقي.
ثالثا: أن يشتريه ليؤجره غيره، فهنا تجب الزكاة في أجرته، إذا حال عليها الحول، وكانت بالغة النصاب، كما سبق في زكاة المستغلات.
رابعا: أن يشتري العقار بنية التجارة، على أن يبيعه بعد فترة طويلة، ثلاث سنوات مثلا، بحيث يكون ثمنه قد تضاعف، فهذا تجب عليه الزكاة؛ لأنها تعتبر من عروض التجارة التي ينتظر بها الربح.
خامسا: إذا اشترى عقارا للقنية، ثم نواه للتجارة، ومن صورها المنح التي تمنحها الدولة لبعض الأشخاص لبنائها، ثم يتركها صاحبها وينوي بيعها بعد فترة، فالصحيح أنه تجب الزكاة في قيمته من وقت نواه للتجارة، وهو ما صدرت به فتوى اللجنة الدائمة رقم (9/339،340)، وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
سادسا: أن يشتري عقارا ليبيعه، ثم بعد عرضه لا يجد من يشتريه، فإن استمرت سنين فإن الشيخ ابن عثيمين له فتوى خاصة في هذه المسألة، ونصُّها كالآتي: "من اشترى أرضاً للربح ثم كسدت الأرض ورخصت وأبقاها لحين ارتفاع السعر فإنه يزكيها كل سنة؛ لأنها من عروض التجارة، وإن لم يكن عنده مال يخرج زكاتها ولا يجد مشترياً، فيقدر ثمنها عند وجوب الزكاة ويقيد زكاتها، وفي السنة الثانية يقدر زكاة قيمتها، ثم الثالثة كذلك، فإذا باعها في أي وقت يخرج جملة الزكاة التي قدرها". مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 18 / 145.
نوازل زكاة الفطر:
توكيل الجمعيات الخيرية والمراكز الإسلامية في إخراج زكاة الفطر:
الصحيح جواز دفع زكاة الفطر قبل العيد ولو بمدة طويلة من المزكي إلى الوكيل إذا كانت الجمعية نائبة عن المزكي، وذلك هو الغالب في الجهات الخيرية التي لم تكلف من قبل الدولة بجمع الزَّكَاة وتوزيعها، وأما تأخير إخراجها عن يوم العيد فلا يجوز.
وأما المراكز الإسلامية في البلاد غير الإسلامية فهي نائبة عن المزكي والفقير معاً، وذلك إذا كانت جهة الزَّكَاة حكومية أو مكلفة من الدولة بجمع الزَّكَاة وتوزيعها، فتكون وكيلة عن الغني لكونه دفع الزَّكَاة لها، وطلب منها توزيعها على المستحقين، وتكون نائبة عن الفقير لكونها مكلفة من الإمام وهو نائب عن الفقراء فتكون نائبة عن الإمام في القيام بجمع الزَّكَاة وتفريقها على مستحقيها.
نقل زكاة الفطر:
الأصل ألا تدفع زكاة الفطر إلا لمستحقيها من أهل البلد الذي وجبت فيه؛ لأنهم الأحق والأولى من غيرهم، ولأنها زكاة متعلقة ببدن من وجبت عليه، وهو سبب وجوبها، فنقلُها نقلٌ لها عن محل وجوبها، فلا تنقل عن ذلك البلد ما دام فيها مستحق للزكاة، فإذا لم يوجد من يحتاجها من أهل هذا البلد، أو كان يتعذر عليه معرفة المساكين فيه، جاز نقلها إلى بلد يوجد به من يستحقها.
إخراج زكاة الفطر من مطعوم البلد، كالأرز، والمكرونة، ونحوه:
الصحيح في إخراج زكاة الفطر أنها ما كانت قوتا لأهل البلد، سواء كان من الشعير أو الأرز أو التمر أو غيره، من المكرونة أو اللحم، فما دام قوتا جاز إخراجه، قال الشيخ ابن عثيمين: "والصحيح أن كل ما كان قوتاً من حبٍّ وثمرٍ ولحمٍ ونحوها فهو مجزئ".
وجاء في فتوى اللجنة الدائمة: "زكاة الفطر صاع من البر أو التمر أو الأرز ونحوها من قوت البلد للشخص الواحد، ذكراً أو أنثى صغيراً أو كبيراً".
كتبه : د.محمد بن موسى الدالي
في 15/9/1431هـ