المواد / المقالات / مختصر في أقسام النذر

مختصر في أقسام النذر

تاريخ النشر : 22 شوال 1446 هـ - الموافق م | المشاهدات : 2070
مشاركة هذه المادة ×
" مختصر في أقسام النذر "

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط

 مختصر في أقسام النذر

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار بهديه واقتفى أثره إلى يوم الدين، وبعد.

فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النذر، وذلك فيما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ.

وفي لفظ لهما عن سَعِيدُ بْنُ الْحَارِثِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: أَوَلَمْ يُنْهَوْا عَنْ النَّذْرِ؟! إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلَا يُؤَخِّرُ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنْ الْبَخِيلِ).

ولابن ماجه: ( وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنْ اللئيم ).

وبالرغم من هذا النهي الصريح عن النذر غير أن أهل العلم اختلفوا في حكمه، فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة في الجملة إلى كراهة النذر، اعتمادا على النهي الوارد فيه، حتى حمله القرطبي رحمه الله من المالكية على التحريم لمن اعتقد أن النذر يوجب حصول غرض معجل ، أو أن الله يفعل ذلك الغرض لأجل النذر، فيكون الإقدام على النذر -والحالة هذه- محرما، وتكون الكراهة في حقِّ من لم يعتقد ذلك.

وذهب الحنفية إلى كون النذر قربة من القرب عملا ببعض النصوص، كقوله تعالى: { وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ } (270) البقرة، وقوله سبحانه: { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } (29) الحـج، وقوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} (7) الإنسان، ولو كان النذر مذموما أو محرما، لما مدح الله الموفين به، وهذا واضح في الاستدلال.

ولقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ, وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلا يَعْصِهِ )، فأمر صلى الله عليه وسلم بالوفاء بنذر الطاعة، مما يدل على أنه غير محرم.

ومع التأمل يتضح أن قول الجمهور هو الصواب جمعا بين النصوص، فإن الأصل في النهي التحريم، وقد ورد النهي عن النذر، فالأصل حمله على التحريم، لكن لوجود النصوص المذكورة أعلاه، والتي فيها مدح الموفين بالنذر، بل والأمر بالوفاء به، فإن النهي ينصرف عن إفادة التحريم إلى إفادة الكراهة.

بالإضافة إلى أن النذر لو كان من الأعمال المطلوبة لكان النبي صلى الله عليه وسلم بادر إليه وأفاضل أصحابه رضي الله عنهم، ولم يحصل.

وما ورد عن آحاد الصحابة رضي الله عنهم في نذورهم يدل على الجواز وعدم التحريم، لا الاستحباب والندب.

كما أن النذر من حيث الوفاء به ينقسم إلى الأقسام الآتية:

القسم الأول: نذر الطاعة، كقول الناذر: "لله علي نذر إن نجحت لأصلِّين كذا وكذا"، أو: "لأصومن" ونحوه من الطاعات، فهذا النذر يجب الوفاء به، ولا يجوز إلغاؤه إلا مع العجز التام، لقول الله تبارك وتعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} (29) الحـج، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) رواه البخاري.

القسم الثاني: نذر المعصية، كأن يقول: لله علي نذر أن أشرب الخمر، أو أترك الصلاة، ونحو ذلك، فهذا نذر محرم لا يجوز الوفاء به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يعصي الله فلا يعصه)، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ".

ثم هل عليه كفارة يمين للتحلل من هذا النذر؟

قولان لأهل العلم: فمن أهل العلم من قال عليه كفارة يمين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين ).

وذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أنه لا كفارة عليه.

والأحوط أن يكفر كفارة يمين، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( كفارة النذر كفارة يمين ) أخرجه مسلم من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.

ولو نذر مكروها، كمن نذر طلاق زوجته، استحب له عدم الوفاء بالنذر والتكفير، فلا يطلق، ويكفر كفارة يمين.

القسم الثالث: النذر المطلق: مثل أن يقول الرجل: لله عليّ نذر، ولم يذكر شيئا، ولم يسمِّه، فيجب عليه كفارة يمين لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين) رواه ابن ماجة والترمذي.

القسم الرابع: نذر اللجاج والغضب، وهو النذر الذي يمنع الناذر فيه نفسه من فعل شيء أو يحملها عليه، بتعليق التزام قربة بالفعل أو الترك، كقوله: إن كلمت فلانا فعلي حج أو صوم سنة، أو إن لم أكن صادقا فعلي صوم.

ففي هذه الحالة، يخير العبد بين التزام ما نذره أو كفارة يمين، لحديث عمران بن حصين، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين)) رواه النسائي، وفي إسناده مقال.

وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَرْفُوعاً: ( مَنْ نَذَرَ نَذْراً فِي مَعْصِيَةٍ, فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ) قال الحافظ: "وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ; إِلَّا أَنَّ اَلْحُفَّاظَ رَجَّحُوا وَقْفَهُ".

القسم الخامس: النذر المباح: كما لو نذر أن يلبس ثوبه أو يركب سيارته، فهذا يخير بين فعله وبين كفارة اليمين إن لم يفعله.

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا شيء عليه في نذر المباح لما روى البخاري: " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه، فقالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم، وأن يصوم، فقال عليه الصلاة والسلام : (مروه، فليتكلم وليستظل، وليتفطر وليتم صومه). ولم يأمره صلى الله عليه وسلم بكفارة يمين، حيث كان النذر مباحا، مع أنه أمره بمخالفة نذره.

لكن ورد عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اَللَّهِ حَافِيَةً, فَقَالَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.

وَلِلْخَمْسَةِ فَقَالَ: " إِنَّ اَللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئاً, مُرْهَا: فَلْتَخْتَمِرْ , وَلْتَرْكَبْ, وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ". فهذا اللفظ فيه الأمر بكفارة يمين، غير أن هذا اللفظ منكر، في سنده عبيد الله بن زحر، وهو ضعيف منكر الحديث.

والأحوط التكفير، عملا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( كفارة النذر كفارة يمين ).

تنبيه:

في حال عدم القدرة على الوفاء بالنذر، وهو النذر الذي لا يطاق، كمن نذر صلاة ألف ألف ركعة، أو بناء مسجد لا يقوى عليه، أو صوم ألف يوم، ونحوه، فعلى الناذر الوفاء بما استطاع منه، فإن عجز فعليه التحلُّل بكفارة يمين، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق، وفيه: " وَمَنْ نَذَرَ نَذْراً لَا يُطِيقُهُ, فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ".

ولحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه السابق أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أخت له نذرت أن تمشي حافية غير مختمرة؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " مرها فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام " وفي رواية: " إن الله تعالى لا يصنع بشقاء أختك شيئا ، فلتحج راكبة ، ولتكفر عن يمينها".

ثم اعلم أن النذر عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى، فمن نذر لغير الله فقد أشرك.

كما يجب على الناذر أن يعلم أن التراخي في الوفاء بنذر الطاعة أمر خطير، فيما إذا حصل لهم ما نذروا، فقد قال تعالى مشنِّعا على مثل هؤلاء: { وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } (75 - 77) التوبة، والله تعالى أعلم.

كتبه:

د.محمد بن موسى الدالي

في 5 / 6 / 1433هـ

 

مواد جديدة

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف