الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق، وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن من وافق عيده يوم الجمعة، وقد صلى العيد، فهل يلزمه حضور صلاة الجمعة؟وقع النزاع في هذه المسألة على قولين:
الأول: قول جمهور الفقهاء، الأئمة الثلاثة: الأحناف، والمالكية، والشافعية، على وجوب صلاة الجمعة، لعموم الأدلة الموجبة لذلك، كقوله تعالى: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه) [الجُمُعة: 9]، وهذا عام يشمل الجمعة، سواء وقع فيها العيد أم لا، وهو قوي واضح الدلالة.
ولمداومة النبي صلى الله عليه سلم على صلاة الجمعة، دون استثناء لموافقتها العيد من عدمه، وما ورد من التخيير في صلاة الجمعة أو تركها ضعيف.
ولأن العيد تطوع، وهو من جملة النوافل، والجمعة فرض، وهي بدلٌ عن صلاة الظهر، تكتمل بها الفرائض خمسًا في يومها، والفرض مقدم على التطوع.وعلى قول من قال بوجوب صلاة العيد، فهي فريضة، والجمعة فريضة آكد منها، فلا وجه لإسقاط إحدى الصلاتين بالأخرى.
والقول الثاني: قول الحنابلة، واختيار شيخ الإسلام رحمه الله، وشيخنا ابن عثيمين رحمهم الله، وهو الاجتزاء بصلاة العيد، مع التأكيد أن على إمام المسلمين إقامة الجمعة.
كما يجب على من اكتفى بصلاة العيد حينئذ صلاة الظهر، بلا نزاع بين أهل العلم.
ودليل هذا القول: حديث إياسِ بنِ أبي رَملةَ الشاميِّ، الذي يرويه أصحاب السنن، قال: شهدتُ معاويةَ بنَ أبي سُفيانَ وهو يَسألُ زيدَ بن أرقمَ، قال: أشهدتَ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عِيدَينِ اجتمعَا في يوم؟ قال: نعمْ، قال: فكيفَ صنَعَ؟ قال: صلَّى العِيدَ ثمَّ رخَّصَ في الجُمُعةِ، فقال: (مَن شاءَ أنْ يُصلِّيَ، فليصلِّ).
ولهذا الحديث علة تمنع من العمل به، وهو جهالة إياس ابن أبي رملة، فلا يُعرف لا بجرح ولا تعديل، ولو صح هذا الحديث لكان فاصلا في النزاع، ووجب العمل به.
ثانيا: من أدلتهم تعليل، وهو أنَّ صلاة الجمعة عبارة عن خطبتين وركعتين، والخطبتان أجزأتا عن الركعتين، فإن سمع الخطبة في صلاة العيد أجزأت عن خطبتي الجمعة، وحصل بها المقصود.
وهذا القول فيه وجاهة، لكنَّ العملَ به موقوف على تصحيح هذا الحديث من طريق آخر، فإن صح، فالحمد لله، وإلا فالاحتياط -ولا شك- الأخذ بقول الجمهور، ووجوب حضور صلاة الجمعة، لمن صلى العيد.
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 9/12/1446هـ